الحوار 2: الخير في التأجـيل

في الجلسة الثانية من النسخة الجديدة من الحوار، وقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان بين التمسّك بالسلاح والمطالبة بنزعه. استطاع الرئيس ترحيل النقاش الجدّي إلى جلسات لاحقة. الرئيس نبيه برّي قدّم الملفّ الفلسطيني على ما عداه

حدس رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال سليمان، لم يخطئ. لا يحتاج الرئيس إلى «ضرب المندل» حتى يعلم ما سيقوله أفرقاء الحوار على طاولة بعبدا. نقل الأفرقاء إلى طاولة الحوار ما يقولونه في العلن: فريقٌ يريد نزع السّلاح من دون هوادة، وفريقٌ سيدافع عن السّلاح حتى الرمق الأخير. هناك، وقف الرئيس أمام قراره المسبق: تأجيل البحث حتى الجلسة المقبلة، وربّما «الجلسات»، على أن لا يكون التكرار هو العنوان. غاب الملفّ السوري كليّاً عن الحوار، حضر سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني والمخيّمات الفلسطينيّة، وراقب النائب وليد جنبلاط أترابه صامتاً. أعظم إبداعات طاولة الحوار أمس: جلسة جديدة في 24 تموز المقبل.
بدا واضحاً لدى سليمان عند سماعه مداخلة كلٍّ من رئيس كتلة المستقبل النيابيّة، النائب فؤاد السنيورة، وردّ رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمّد رعد، أن الأمور ذاهبةٌ إلى «الاشتباك» الكلامي، وأن لا أحد يريد أن «يتزحزح» عن موقفه. كان «اشتباكاً ناعماً».
أصرّ السنيورة على الحديث عن السّلاح، محدّداً سقف شروطه: لا حديث من خارج جدول الأعمال غير حديث السّلاح، و«نحن غير معنيين بأي موضوع خارج نطاق الموضوع الوحيد المطروح وهو سلاح حزب الله»، «أهمية ما تمّ التوصل إليه في جلسات الحوار الماضية والذي لم ينفّذ»، «أهمية التأكيد على أن هيئة الحوار لا تشكّل بديلاً من المؤسسات الدستورية». يتابع السنيورة رافعاً سقف خطابه، «هذا السلاح أصبح في حالة تفريخ دائم لأسلحة لدى تنظيمات وجماعات، ويستولد أسلحةً من هنا وهناك تُستعمل لأكثر من غرض سياسي وأمني. هذا السلاح مناقض لمقتضيات السلم الأهلي، ويسهم بشكل أو بآخر في تعميق النزاعات الداخلية». لم تقف مداخلة السنيورة عند هذا الحدّ، طلب «وضع خريطة طريق وبرنامج زمني يوصلنا إلى أن يصبح هذا السلاح حصراً في كنف الدولة اللبنانية وتحت إمرتها المنفردة». فجّر السنيورة طلباً آخر: «تأليف حكومة إنقاذ وطني من غير منتمين إلى أي من التيارين المنقسمين، تتولى معالجة الأزمات الوطنية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، ووضع صيغة قانون الانتخاب لعام 2013، كما الإشراف على إجراء الانتخابات المقبلة».
كان ردّ سليمان سريعاً، فأشار إلى أن السنيورة ناقض نفسه بنفسه حين طرح موضوع تشكيل حكومة جديدة، وهذا الأمر يتنافى مع ما قاله عن حصر النقاش بموضوع السلاح، موضوع جدول الأعمال. 
رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني، النائب طلال أرسلان، ردّ على كلام السنيورة بدوره، «تتكلّمون عن السلاح المتفلّت وعن تفريخ السّلاح والاستثمار السياسي والأمني، وكأن حزب الله مسؤول عن الفوضى. هل أنتم كالحملان الوديعة؟ السلاح الفردي منتشر في كلّ مكان».
مداخلة رئيس حزب الكتائب، أمين الجميّل، لم تكن أقلّ حدّة من كلام السنيورة. اعتبر الجميّل أن «ازدواجية القرار في أمرة السلاح لاستعماله في استراتيجية دفاعية هو أمر مخالف للشرعيتين اللبنانية والدولية، وفيه ضرب لأسس النظام والدستور». واستعرض الجميّل عدّة «موجبات لعدم شرعيّة السلاح»: «فالدستور اللبناني، واتفاق الطائف، والتضارب في بنود البيان الوزاري لآخر حكومة وحدة وطنيّة، وفي القانون الدوليّ والشرعيّة الدوليّة منذ اتفاقية الهدنة عام 1949 وحتى القرار 1701. في الدستور، تنيط المواد 49 و50 و65 برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مسؤولية ممارسة هذه السيادة في مجال الدفاع عن الوطن والحفاظ على سلامة أراضيه، كما تخضع هذه المواد القوات المسلّحة لقيادة الرئيس ولسلطة مجلس الوزراء». واستند الجميّل إلى «الفقرة الثالثة من القسم الثاني من وثيقة الوفاق الوطني التي تدعو إلى «اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً». وبرأي الجميل، باتت هذه الفقرة «غير صالحة عقب عام 2000، وخصوصاً بعد القرار 1701 الذي وضع خريطة طريق لحلّ قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا عبر الوسائل الدبلوماسية، ولا سيّما أن هذه القضية لا تزال عالقة بيننا وبين سوريا». وحول «التباين» في البيان الوزاري لآخر حكومة وحدة وطنية، يقارن الجميّل بين البند الثاني (مرجعية الدولة الحصرية في كل القضايا المتصلة بالسياسة العامة للبلاد) والبند السادس (حق المقاومة في المشاركة بالدفاع عن لبنان).
وعن القرارات الدوليّة، ذكّر الجميّل باتفاقية الهدنة لعام 1949، و«مبدأ حصر المهمّات الدفاعية بالجيش اللبناني، وضرورة بسط سلطة الدولة دون سواها على كل أراضيها». كما القرارات 425 و520 و1559 التي «تشدّد على بسط سيطرة الحكومة اللبنانية دون منازع على الأراضي اللبنانية» والقرار 1701 الذي «كان محطّ إجماع دولي وتوافق لبناني يحصر السلاح جنوبي الليطاني بيد الدولة ويدعو إلى نزع السلاح غير العائد للحكومة».
ويستنتج الجميّل بعد ما عرضه «أن الواقع الحالي مخالف للدستور بدرجة أولى وللشرعية الدولية بدرجة ثانية». ويسأل الجميّل «إذا كنا نريد احترام الدستور فلنبحث عن نموذج دفاعي يعيد حصرية السلاح للدولة، أما إذا كان حزب الله يريد الإبقاء على الواقع الحالي بحجة فعالية المقاومة، فلنعلّق الدستور إذاً».
الردّ «الموالي للسلاح» تقاسمه رعد ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، النائب أسعد حردان. قدّم حردان مداخلة طويلة أعاد فيها البحث بموضوع السلاح إلى نقطة بعيدة: السلاح والاستراتيجيّة الدفاعيّة تفاصيل، القرار هو المهمّ. وأشار حردان إلى أن «البحث في أي استراتيجيّة دفاعيّة سابق لأوانه لأننا، كما يظهر، مختلفون على إذا ما كنّا نريد تحرير الأرض أو لا نريد. إذا قرّرنا تحرير الأرض، عندها نستطيع الغوص في اختيار الآليات».
من جهته، أشار رعد إلى أن مسالة حصريّة السلاح لا تتحمّل مسؤوليته المقاومة، لأنّ «المقاومة نشأت بعد الاحتلال، وبعد غياب الدولة عن الجنوب والتخلي عن مسؤولياتها بالدفاع عن سيادة لبنان، وعن الجنوبيين وعن بيوتهم».
رئيس تكتّل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، قدّم مداخلة مقتضبة، انتقد فيها «المطوّلات لأنها لا توصل إلى نتيجة، لأنّها لا تطرح ضمن منهجيّة عمليّة». وقال عون إن ما يحدث هو تسجيل مواقف في السياسة دون طرح عملي يقارب موضوع السلاح والاستراتيجيّة الدفاعية من ناحية تقنية، فـ«إمّا أن يكون هناك قواسم مشتركة لإيجاد صيغ، أو أن نتّفق على إدارة الخلاف».
راقب برّي سير الجلسة، بعدما طلب في بدايتها أن يناقش المؤتمرون من خارج جدول الأعمال التوتّر في المخيّمات الفلسطينيّة. أخذ الملفّ الفلسطيني حيّزاً مهمّاً من الجلسة. طلبت قوى 14 آذار أن تتابع الحكومة تنفيذ نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات، فذكّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي باللجنة المخصّصة لمتابعة هذا الملفّ، عندها تدخّل سليمان من جديد لـ«ينقذ» ميقاتي، مقترحاً أن يكون في اللجنة ممثّلون عن قوى المعارضة أيضاً.
وقبل أن يختم رئيس الجمهوريّة، شرح الرئيس برّي «خطورة الاحتقان داخل المخيّمات الفلسطينية، لأن ما يحدث داخل المخيّمات يرتبط بما يحدث في المنطقة». وفاجأ برّي قوى 14 آذار حين قال إن الوضع الفلسطيني هو أولوية على ما عداه من الملفات، مشدّداً على ضرورة معالجته بالهدوء. وقال برّي «كلّنا تحت سقف الدستور، ومقدّمة الدستور تتحدّث عن الأراضي المحتلّة وعن حقّ الدفاع عن هذه الأرض، من الجنوب إلى الشمال والشرق والغرب».
تعامل سليمان مع مداخلات الأفرقاء كما لو أنها «عصف أفكار»، معلناً أن لديه تصوّره وأفكاره دون الإفصاح عنها. وعلى ما تشير المصادر، يعتقد الرئيس بأن سلاح حزب الله يجب النظر إليه بصورة إيجابية والاستفادة منه ولو لفترة معيّنة على الأقل، على أنّ 14 آذار ترفض الخوض في هذه الصيغة حتى؛ يختم الرئيس «سآخذ أفكاركم وأضيفها من أجل تشكيل إطار عام للجلسة المقبلة حول الاستراتيجية الدفاعيّة، ومن ضمنها سلاح المقاومة». 

السابق
الاخبار: حزب الله يحدّد مواصفات الدولة المقاومة
التالي
دروس من الأحداث