اسطنبول وبغداد وموسكو: ماذا بعد؟

نشأ في هذه المرة جو متفائل قُبيل المحادثات في الشأن الذري الايراني التي تمت في الشهرين الاخيرين في اسطنبول وبغداد وموسكو. وأبدت ايران اهتماما عن شعور بالضغط المزدوج: فالعقوبات عليها مُثقلة وأثرها ملموس أكثر فأكثر.
وفي المقابل وُضع الخيار العسكري وبخاصة هجوم اسرائيل على المنشآت الذرية بصورة بارزة في جدول العمل الدولي ولم يستطع الايرانيون تجاهل ذلك. والى ذلك جاء رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية قُبيل بدء المحادثات في بغداد الى طهران في زيارة نادرة وأعلن انه يُصاغ اتفاق وإن بقيت بضعة امور لم يُتفق عليها بعد. وقد جعلتنا ايران نفهم أنها ستُبدي توجها جديا ومرنا.
قامت في مركز المحادثات ثلاثة مطالب من ايران وهي: اغلاق منشأة التخصيب في فوردو وهي منشأة بُنيت تحت سفح الجبل بصورة تجعل الهجوم عليها صعبا؛ ووقف تخصيب اليورانيوم بدرجة 20 في المائة الذي يتم في ايران في السنتين الاخيرتين والذي لا يُنتج في الحقيقة مادة انشطارية للقنبلة الذرية، لكنه يُقصر الطريق اليها؛ وزيادة الرقابة على المنشآت الذرية ولا سيما المنشأة في بارتشين التي يُشك في أنها قاعدة لاجراء تجارب على سلاح ذري.
أشار الايرانيون قبل المحادثات الى أنهم سيكونون مستعدين للتوصل الى تسوية بشروطهم، في قضيتي التخصيب والرقابة، لكنهم رفضوا طلب اغلاق المنشأة في فوردو، وطلب الايرانيون من جهة اخرى ان يضائل الغرب العقوبات ويعترف بحقهم في تخصيب اليورانيوم. ولم يتم تجاوز الفروق في واقع الامر. وبرغم فشل المحادثات فمن غير الضروري ان يكون ذلك نهاية الجهد الدبلوماسي. ومن الواضح ان حكومات الغرب ستشدد العقوبات. وقد طُرح قرار الحكومات الاوروبية على وقف استيراد النفط من ايران منذ مطلع تموز ورزمة عقوبات اخرى ستفرضها الولايات المتحدة. قد تشير الادارة الامريكية الى أنها ترفض الخيار العسكري. وستحاول الحكومات الغربية ان تستغل زيادة الضغط على ايران لاعادتها الى المباحثات ولتستخلص منها تنازلات أكبر.
ان فشل المحادثات يُقرب الطرفين من لحظة الحسم. فايران ستضطر الى ان تبت أمرها في مبلغ استعدادها للتخلي في مواجهة العقوبات. وقد تكون مستعدة لتنازلات تكتيكية ما لم يُغلق في وجهها الطريق الى السلاح الذري. وستضطر الادارة الامريكية الى ان تقرر في ضوء التقدم الدائم في البرنامج الذري هل تفي بالتزامها أن تمنع ايران من الحصول على السلاح الذري حتى لو كان ذلك باجراء عسكري أم تُسلم لعدم قدرتها على وقف ايران وتنتقل الى سياسة احتوائها وردعها عن استعمال السلاح الذري.
سيُنشيء فشل المحادثات وضعا معقدا بالنسبة لاسرائيل. فاسرائيل من جهة أقلقها احتمال ان تحرز المحادثات تسوية مليئة بالثقوب تُمكّن ايران من الاستمرار في سعيها الى السلاح الذري. ولم يحدث ذلك وإن كان قد يحدث في المستقبل. ومن جهة اخرى وبرغم ان الجهد السياسي فشل في الاثناء فان ذلك لا يفتح الباب للخيار العسكري.
فستواصل الحكومات الاوروبية معارضتها لهذا الخيار ومن المحتمل ان تزعم الادارة الامريكية ان الظروف غير ناضجة الى الآن وأنه ينبغي الانتظار حتى يتبين تأثير العقوبات. واذا حدث ذلك فستعود اسرائيل بلا مناص الى توجهها المعروف الذي ساعدها ايضا على زيادة الضغط على ايران، وهو ان تُبين ان فشل المحادثات يدل على ان ايران متمسكة بنية التوصل الى سلاح ذري وأن احتمال وقف ايران بالدبلوماسية ضعيف وأن مدة صد ايران باجراء عسكري ايضا أخذت تقصر. 
 

السابق
ماذا قال لي الإله عمر البشير؟
التالي
عملية سطو على مصرف اللبناني الفرنسي في الضبيه