تيّار المستقبل أمام الحوار: السلاح لا الاستراتيجيا

تعود طاولة الحوار الوطني إلى الالتئام بكثير من الغموض. أنقذ «إعلان بعبدا» جلسة 11 حزيران، بعدما احتمى بثوابت وطنية. لكن دون جلسة اليوم صنفان من الحرد السياسي: حزب الله لا يخوض في مصير سلاحه، وقوى 14 آذار لا تبقى إلى الطاولة بلا قرار يضع السلاح في الدولة

تدخل الجلسة الثانية عشرة اليوم لطاولة الحوار الوطني في صلب جدول الأعمال ببنده الأول، وهو سلاح حزب الله، من دون أن يكون فريقاها المعنيان، حزب الله وقوى 14 آذار، مستعدين تماماً له. وقد يكون رئيس الجمهورية ميشال سليمان أكثر من سواه من هذين الطرفين قلقاً على مسار حوار دعا إليه وأعدّ جدول أعماله، وحظي بموافقتهما عليه، وهو يدعوهما اليوم إلى مناقشة ما أيّداه. إلا أن الفريقين المعنيين يذهبان إلى الطاولة تبعاً لمنطقين لا يكتفيان بالتناقض فحسب، بل يسير كل منهما في مسار مواز للآخر لا يلتقي معه في أي مكان.
يذهب تيّار المستقبل، رأس حربة المواجهة مع حزب الله، إلى قصر بعبدا بموقف متصلّب من جدول الأعمال ومضمونه في آن، وفق ملاحظات يُنتظر أن يدلي بها، وأبرزها:
1 ــ أن على حزب الله أن لا يصدّق انطباعاً وهمياً يراهن عليه طويلاً، هو أن رغبة السعودية في مشاركة تيّار المستقبل في الحوار، وكذلك الرئيس سعد الحريري، مؤداها أن لا خيار له سوى البقاء إلى الطاولة بلا نتيجة متوخاة من تلك المشاركة. لا يريد تيّار المستقبل وحلفاؤه تحمّل وزر تعطيل التواصل والحوار تحت سقف رئيس الجمهورية، ولا اتهامه بالتسبّب في تقويض الاستقرار. إلا أنه لا يريد أيضاً أن يكرّس ــ هو وحلفاؤه ــ شرعية سلاح لم يعد في وسعه اكتساب أي شرعية. ومن دون أي تطور ملموس حيال تحديد مصير سلاح حزب الله، لن يسع قوى 14 آذار الإبقاء على مشاركتها هذه والاستمرار بها. وهي تنظر إلى هذا اليوم بالذات على أنه استحقاق لرئيس الجمهورية، وامتحان لحزب الله.
يعرف تيّار المستقبل كذلك أن حزب الله يريد إغراق الاستراتيجيا الدفاعية في جدل مستفيض كإطار وحيد لمناقشة مصير سلاحه، مستفيداً من تطابق موقفه هذا مع وجهة نظر رئيس الجمهورية الذي يتحدّث باستمرار عن سلاح المقاومة لا عن سلاح حزب الله، وعن الاستراتيجيا الدفاعية لا عن سلاح غير شرعي.
يعرف الطرفان أيضاً وأيضاً أنهما في التوقيت الغامض لبتّ مصير سلاح حزب الله: يقول تيّار المستقبل إنه لم يعد يتسامح حيال الحجّة التي سادت منذ عام 2008، مع اتفاق الدوحة، حتى اليوم بالتركيز على الاستراتيجيا الدفاعية وترك الحزب يحتفظ بسلاحه وتجاهل الدعوة إلى تسليمه للجيش. بدوره الحزب يتسلّح بحجّة معاكسة: تحت وطأة ما يواجهه النظام السوري والمواجهة بينه وبين الغرب، يجد نفسه مستهدفاً كمقاومة ومدعواً إلى التخلي عن سلاحه.
2 ــ لا يوافق تيّار المستقبل، ولم يُبدِ قبلاً حماسة معلنة للطريقة التي اتبعها سليمان عند وضع البند الأول من جدول الأعمال، سواء بتحدّثه عن استراتيجيا دفاعية وطنية أو بطرح أسئلة يتوخى الإجابة عنها في معرض تحديد وظيفة سلاح حزب الله واستخدامه: أين ومتى وكيف ولماذا.
وتبعاً لتيّار المستقبل، فإن الخوض في حوار حول هذه الأسئلة تحت سقف استراتيجيا دفاعية وطنية، لا تحت سقف المسمّى كما هو، وهو سلاح حزب الله، يدفع الحوار إلى الدوران في حلقة مفرغة. كما أن الخوض في إجابات عن الأسئلة تلك يمهّد للحديث عن اتفاق جديد بين هذا السلاح والجيش على صورة مطابقة لاتفاق القاهرة (1969). ولئن اختلف أحد فريقي ذلك الاتفاق، إلا أن هذا التعاقد يؤول إلى الحصيلة نفسها، وهو اعتراف الجيش، بغطاء السلطة السياسية، بقوة مسلحة تجانبه وتمتلك هامش تحرّك مستقلاً، وتتصرّف بسلاحها، وتضع في يدها إمرته أو في أحسن الأحوال في إمرة مشتركة بين فريقين أحدهما شرعي والآخر غير شرعي.
3 ــ يلاحظ تيّار المستقبل أن شقي البند الأول، الاستراتيجيا الدفاعية الوطنية والأجوبة المتوخاة، يعكسان منطقاً خاطئاً لدى رئيس الجمهورية الذي يحرص على معالجة سلاح الحزب ويخفق في إيجاد الوسيلة وفي تعريف المشكلة. لكن خياراً كهذا ينصّ عليه البند الأول سيفضي حكماً إلى تشريع سلاح حزب الله. الأمر الذي يشير حكماً إلى تناقض حاد مع الدستور الذي يتحدّث عن دولة مركزية واحدة، وجيش وطني واحد لا يسلّم بوجود جيش آخر إلى جانبه كي يقودا معاً استراتيجيا دفاعية لحماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية. خيار كهذا يقرّ بثنائية القرار والإمرة العسكرية، ويضع الحكم والبلاد في ظلّ سلطتين.
4 ــ يحمل ذلك تيّار المستقبل على التمسّك ــ وهو يصرّ على الخوض في البند الأول ــ بمنطق محدّد ومباشر هو أن المشكلة تكمن في تعريف المأزق: التسليم حقاً بوجود سلاح غير شرعي، لا البحث عن استراتيجيا دفاعية تخفي وراءها قوة عسكرية غير شرعية ومستقلة في عملها، وتناقض أحكام الدستور، وباتت تعرّض الوحدة الوطنية لخطر داهم. في المقابل لن تمنح مناقشة أفرقاء طاولة الحوار سلاح حزب الله حتى يكتسب شرعية كاملة أو نصف شرعية، ما دامت هذه تناقض الدستور.
بل يطلب تيّار المستقبل وحلفاؤه من البند الأول التعامل مع المشكلة وفق قاعدة تقول بالبحث في برمجة الانتقال بسلاح حزب الله إلى الدولة اللبنانية ووضع خريطة طريق تتيح تحقيق هذا الهدف وإن استغرق بعض الوقت، بغية الإفساح في المجال أمام رئيس الجمهورية وحزب الله لإنجاز هذا الانتقال. وهو المسار الوحيد، في ظنّ التيّار وحلفائه، الذي يقود إلى اتفاق حقيقي. فحوى ذلك إقرار حزب الله بتخليه تماماً عن سلاحه للجيش والحؤول دون التفكير بتوأمة سلاحين أحدهما شرعي والآخر غير شرعي تحت مظلة استراتيجيا دفاعية وطنية.
5 ــ يذهب تيّار المستقبل في إبراز موقفه هذا إلى التركيز على مسألتين متلازمتين:
إحداهما، تحقّق الجيش من قدراته ومن حاجته إلى سلاح حزب الله الذي يقتضي أن يكون في عهدته وإمرته الحصرية.
والأخرى، المحافظة على قوة الردع التي يمثّلها هذا السلاح في وجه إسرائيل في المرحلة الانتقالية، من دون إقحامه في أي أزمة داخلية، سواء لفرض خيارات أو ترجيح توازنات سياسية أو تخريب أكثريات أو استخدامه للوصول إلى السلطة. والحالات الثلاث خبرتها قوى 14 آذار مع سلاح حزب الله منذ ما قبل 7 أيار 2008 مروراً به وصولاً إلى إسقاط حكومة الحريري عام 2011. في المرحلة الانتقالية يقتضي أن يكون هذا السلاح مصدر حماية مزدوجة، داخلية وخارجية. وليس هو ذلك واقعه اليوم، يقول تيّار المستقبل.  

السابق
الربيع العربي والدروس المستفادة لبنانياً
التالي
وقت الشعوب الضائع بين الإخوان والأميركان و«إسرائيل»