بعد لجوء الطيار.. هل ينزلق الأردن إلى الأتون السوري؟

شهيرة قصة ذلك الحوار المفاجيء بين الملكة رانيا وزوجة الرئيس السوري بشار الأسد السيدة أسمى مؤخراً، التي فوجئت خلالها الملكة الأردنية بالسيدة الأولى السورية ترد على سؤال اطمئناني بالقول: "طمنونا أنتم عن أوضاع الأردن. نحن الذين نشعر بالقلق عليكم".
حتى الآن، لم تُعرف أسباب هذا الرد الجاف على مبادرة بدت طرية النيّة، لكنها رمزت في الواقع إلى مدى الحساسية المفرطة التي دخلتها العلاقات الأردنية – السورية غداة إندلاع الانتفاضة السورية؛ وهي حساسية يعتقد يعض المراقبين أنها قد تكون أخطر حتى من تلك التي تشوب علاقات النظام السوري مع لبنان(الشعبي على الأقل) هذه الأيام.

وقد جاء لجوء الطيار السوري العقيد حسن مرعي الحمادة بطائرته الميغ-21 إلى الأردن أمس، ليصب المزيد من الزيت على نار هذه الحساسية الملتهبة أصلا، وليسلّط الضوء في الوقت نفسه على حراجة الموقف الأردني.
فالسلطات السورية كانت غاضبة وحانقة. ومع أنها لم تصب جام غضبها مباشرة على الأردن لقبوله منح اللجوء السياسي للطيار، إلا أن وصفها هذا الأخير بأنها "خائن وفار من الخدمة وعار على الشرف العسكري"، ومطالبتها باستعادة الميغ، كان رسالة تحذير ضمنية قوية إلى المملكة الهاشمية.

أما لماذا رد الفعل الغاضب هذا الآن، على رغم أن النظام السوري يعرف أن مئات، وربما آلاف، الجنود والضباط السورييين لجأوا بالفعل ومنذ أشهر إلى الأردن ضمن نحو 100 ألف نازح سوري، فهذا ربما يعود إلى أن النظام يعتبر سلاح الطيران (الذي ينتمي إليه الرئيس الراحل حافظ الأسد) حرزه الحريز. وبالتالي فهو خشي أن يؤدي لجوء الطيار بداية تحوّل ما في الموقف الأردني من الانتفاضة السورية؛ وهو الموقف الذي كان حتى الآن شبيهاً بسياسة "النأي عن النفس" اللبنانية.
كتب إميل حكيّم، الباحث قي المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية،:" ليس من الضروري أن يلحق طيارون آخرون بالطيار الحمادة، أو أن يكون لذلك تأثير الدومينو على المراتب العليا من الجيش السوري. لكن المسألة الأهم ليست هنا، بل هي تتعلّق بالأردن وبالصعوبات التي سيواجه من الآن فصاعداً في علاقاته مع سورية".

استنتاج دقيق؟
أجل. إذ مع أن الملك عبد الله كان أول من دعا الرئيس الأسد إلى التنحي، إلا أن الأردن كان يعتبر تدهور الأوضاع في سورية خطراً ماحقاً على أمنه القومي والداخلي اللذين يعتبران الانجاز الثمين للمملكة في شرق أوسط لم يتوقف يومياً عن الاضطراب والغليان.
هذه نقطة.
وثمة نقطة ثانية لاتقل أهمية: المملكة تخشى أن يسيطر الإخوان المسلمون على السلطة السورية، لئلا يؤدي ذلك إلى صعود مماثل للإسلاميين الأردنيين الذين يُعتبرون قوة المعارضة الرئيسة. ولذا، حرصت عمان على مواصلة سياسة النأي بالنفس.

لكن إلى متى؟
ستحاول عمان على الأرجح تسوية مسألة الطيار بما يرضي السلطة السورية (ربما عبر إعادة الطائرة) وبما لايغضب خصوم هذه السلطة العرب والغربيين (عبر حماية الطيار المنشق). لكن، هناك عاملان قد يخرجان عمّان من جلدها الحيادي: الأول، تفاقم الأوضاع إلى درجة خطيرة أكثر داخل سورية، إلى درجة بروز مقاطعات شبه مستقلة فيها قد يسيطر على بعضها أصوليون متطرفون، وأيضاً تفاقم الضغوط الخليجية التي لم تتوقف لحظة على الأردن لحمله على فتح حدوده للمعارضة المسلحة السورية وعلى انخراطه المباشر في العمل لإسقاط النظام السوري.
وفي حال تحقق هذان العاملان، سيدخل الأردن المعمعة السورية، شاء ذلك أم أبى.
هل هذا كان كان أحد دوافع وأسباب الرد الجاف للسيدة أسمى على الملكة رانيا؟
ربما.  

السابق
أنقرة لن تتدخل عسكريا.. إلا؟
التالي
أهل العتمة