الجلسة الـ 12: استحالتا حزب الله وتيّار المستقبل

خلافاً لجلسة 11 حزيران التي أربكتها تكهّنات المشاركة فيها وما قد يصدر عنها، يسبق جلسة الإثنين يقين بانعقادها وغموض في مآل الخوض في بند لا يزال متعذّراً منذ عام 2008 بعد اتفاق الدوحة، مع أول طاولة حوار حول استراتيجيا دفاعية لا تجرّد حزب الله من سلاحه

تعود طاولة الحوار الوطني إلى الاجتماع في جلسة ثانية عشرة بعد غد الإثنين، بصعوبات لا تقلّ عبئاً عن تلك التي رافقت جلسة 11 حزيران، عندما وضع كل من طرفي النزاع قبل الوصول إلى الطاولة شروطاً متناقضة، قلّل من وطأتها جدول الأعمال، ثم أوحى «إعلان بعبدا» على الأثر بأن في وسعهما الاتفاق على تفاهم الحدّ الأدنى في الملفات، وكذلك الخيارات، الشائكة والعاصية على التوافق.
كان ذلك أول استنتاج انتهى إليه «إعلان بعبدا» يومذاك برفضه المنطقة العازلة مع سوريا، وتمسّكه بالحياد عن النزاعات الإقليمية، ورفض سلاح المدن وتوفير أوسع غطاء سياسي للجيش في مواجهة اضطرابات الداخل. كان ثمّة إيحاء آخر في ذلك الاستنتاج، بأن قوى 14 آذار أعطت، وقوى 8 آذار أخذت، من أجل أن تتبادلا في الجلسة التالية الأدوار. فتعطي قوى 8 آذار، وخصوصاً حزب الله، في موضوع الاستراتيجيا الدفاعية كي يأخذ الطرف الآخر.

والواضح أن الطرفين أضحيا الآن أمام هذا الاستحقاق، رغم أن التداعيات الإيجابية لجلسة 11 حزيران لم تثمر تماماً، وبيّنت ـــــ أو كادت ـــــ أن ما توافق عليه المتحاورون الـ17، الذي أعطى والذي أخذ في آن واحد، لم يعدُ كونه شيكاً بلا رصيد. بعد أيام قليلة تصاعدت الفوضى وأعمال العنف بين الجيش والمخيّمات الفلسطينية، وأشاعت انطباعاً بمسار جديد للانقسام دخل عليه العامل الفلسطيني. فُسّر تارة بارتباطه بالأزمة السورية، وطوراً بتعزيز الاشتباك السنّي ـــــ الشيعي.
على أبواب الجلسة الـ12، لم يتضح على نحو كاف أن 11 حزيران منح الاستقرار فسحة أمل جديدة نجمت من توافق المتحاورين. لا يزال المناوئون للنظام السوري، وكذلك المؤيدون له، يتقاسمون وتيرة التصعيد السياسي اليومي نفسه وارتداده على الوضع الداخلي. كذلك الكلام المماثل عن التمسّك بسلاح المقاومة من جهة، والإصرار على إطاحة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من جهة أخرى.

في ظلّ هذا التناقض يتركّز موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان، صاحب الدعوة، على معطيات منها:
1 ـ إبقاء جدول أعمال طاولة الحوار الوطني كما وضعه، أياماً قبل الجلسة الـ11 التي أرادها لتأكيد ثوابت وطنية في أول التئام للمتحاورين بعد انقطاع طويل. وهو كان قد تعهّد مباشرة الخوض في جدول الأعمال في الجلسة التالية، بدءاً بالاستراتيجيا الدفاعية الوطنية. بذلك يؤكد للطرفين معاً أن جدول الأعمال هو الناظم الوحيد للحوار في الجولة الحالية. يصرّ عليه كجزء لا يتجزأ من آلية إبقاء التواصل بين الطرفين، وتحديد المشكلات الوطنية التي تربك الاستقرار.
حمله ذلك على رفض إدماج الخوض في الاستراتيجيا الدفاعية بأي ملف آخر، أو تبرير أحدهما بالآخر، كمصير حكومة ميقاتي التي ترعى بقاءها أو رحيلها آلية سياسية ودستورية أخرى ليست طاولة الحوار مكانها المناسب.
2 ـ لا يسع الرئيس فرض إرادته على طرفي الحوار. لا في سلاح حزب الله والاستراتيجيا الدفاعية، ولا في الموقف من أحداث سوريا. وهو يضع موقعه إلى الطاولة ضمن مسار محدّد الوجهة: إنه مدير هذا الحوار بين طرفين تباعد بينهما ـــــ بل تناقض ـــــ خيارات إقليمية وأحياناً داخلية أساسية ومكلفة، ويجهران بالحرص على الاستقرار، لكن لكل منهما نظرته المستقلة إلى صورة الدولة.

والواضح أن أياً من هاتين الصورتين لا تشبه صورة الدولة في نظر الرئيس. في المقابل له رؤيته ووجهة نظره ـــــ إلى ما قد يقوله الأفرقاء المتحاورون ـــــ حيال الملفات الشائكة بينهما. يُمسي دور رئيس الجمهورية، كرئيس للطاولة، العمل على شقّ الطريق أمام حوار مباشر وصريح، ومكاشفة كاملة للهواجس والمخاوف، وإيجاد قواسم مشتركة بغية بلورة صيغة اتفاق. لا يملك وحده الحلّ والرؤية، وهو غير قادر على فرضهما، لكنه ملزم اتباع وسائل تقودهما إليهما.
3 ـ رغم أن سليمان ميّز باستمرار، وعلى نحو قاطع، بين سلاح حزب الله والاستراتيجيا الدفاعية. لم يقل بتجريد الحزب منه، إلا أنه تحدّث عن سبل توظيف استخدامه من أجل حماية لبنان. يقوده ذلك حتماً إلى ضرورة التوصّل، في لحظة ما، إلى الاتفاق على وضع استراتيجيا دفاعية في إمرة الدولة اللبنانية، أياً تكن المرجعية التي تناط بها الإمرة، رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء أو المجلس الأعلى للدفاع.

وإذ يبدو حزب الله حذراً في دخول البند الأول من جدول الأعمال، ويُضمر أول تباين بينه وبين الرئيس حياله، ويعرف سلفاً أيضاً ما يتوقعه من خصومه ومطالبته إياه بالتخلي كلياً عن سلاحه للدولة اللبنانية، ويعرف كذلك أنه أمام الاستحقاق أكثر من أي وقت مضى بالتزامن مع ما يجري في سوريا، من دون أن يُبدي استعداداً علنياً حتى الآن على الأقل لمناقشة إطار آخر للسلاح وكذلك لإمرته، إلا أن حذره هذا، بمنطق مناقض، يشاطره إياه تيّار المستقبل، الذي لا يريد دخول الجلسة الـ11 على نحو الجلسة السابقة، كي يُسلّم بمواقف تنتزع منه من غير أن يحصل على مكاسب مقابلة.
يذهب تيّار المستقبل إلى الحوار مشدوداً إلى أكثر من وجهة نظر تتجاذبه من الداخل حيال جدوى مشاركته في طاولة الحوار، وتوفير غطاء سياسي لها مجاناً. يعكس هذا التجاذب رأيان يسودان مناقشاته، رغم معرفة طرفي التجاذب بقرار الرئيس سعد الحريري الاستمرار في الحوار بضغوط سعودية وأميركية حازمة، تحاول من خلاله توفير أوسع استقرار داخلي للبنان:
أولى وجهتي النظر متشدّدة، يعبّر عنها فريق في التيّار يربط استمرار المشاركة في الحوار بالحصول على مكاسب سياسية مباشرة تتصل بسلاح حزب الله، أو في أحسن الأحوال ما يُعوّض هذا المطلب وهو إسقاط حكومة ميقاتي، وإبدالها بأخرى حيادية على نحو مطالبه المتكررة بذلك.
ثانيتهما تطبعها المرونة، وتقول بالمضي في المشاركة ومحاولة تحسين شروط المعارضة من خلالها عبر استمرار قنوات الحوار مع الطرف الآخر، وإمرار الوقت تحت سقف الاستقرار، في انتظار تطورات إقليمية تساعد على تحديد خيارات جديدة وفرضها على اللبنانيين جميعاً، وخصوصاً الحزب.
إلى ذلك الوقت، ترى وجهة النظر هذه الوقوف إلى جانب رئيس الجمهورية في تأييد الحوار توطئة لوضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة، قد تتيح ـــــ في ظلّ ظروف إقليمية مختلفة ـــــ استقالة الحكومة الحالية. وخلافاً للرأي الآخر، لا يتحمّس مؤيدو هذا الموقف لاستفزاز سليمان وحزب الله في الوقت الحاضر، ما دامت الرياض وواشنطن تصرّان على مشاركة تيّار الحريري في الحوار.  

السابق
الاخبار: الراعي يفاجئ 14 آذار
التالي
الطائف.. لما لا؟!