اسرائيلي من يقتل فلسطينيي لبنان

ليس بين المتابعين لملف انعكاسات الأزمة السورية على لبنان من يتجاهل واقعة ان هناك من يعمل على استخدام المخيمات الفلسطينية في لبنان. أصلاً تعيش المخيمات نفسها واقع التأثر بما يجري في سوريا، شأنها شأن اي منطقة لبنانية. يضاف الى ذلك الواقع السياسي والامني داخلها، حيث لا سلطة مركزية يمكنها ادعاء الامساك بالوضع، فضلاً عن النشاط المطرد للجماعات الاسلامية على انواعها، والذي يترافق مع ارتفاع منسوب نشاط «المقاتلين العرب» الذين وصلوا الى مخيمات لبنان، كما الى مناطق اخرى في البلاد ربطاً بما يجري في سوريا.
وحيث يتوقع ان يعمل الفلسطينيون على منع تفجير المخيمات على خلفية ما يجري في سوريا، وان يعمل اللبنانيون معهم على منع تحويل محيط المخيمات الى بؤر توتر، فإن كل ما سبق لا يبرر النغمة الجديدة التي تعمل عليها جهات سياسية وأمنية لبنانية وغير لبنانية، في سياق تعريض الفلسطينيين، مرة جديدة، لعقاب دموي، فقط لكونهم تحولوا خلال العقود الثلاثة الماضية مكسر عصا منذ حملة الجيش عليهم في منطقة صيدا اثر الدخول الى بعبدا ونفي العماد ميشال عون، في ما بدا توازناً اراده القائمون على البلد يومها لاعتقادهم بأن ذلك يرضي المسيحيين المحبطين، الى الحملة المجنونة على نهر البارد قبل بضع سنوات، في أسوأ عمل عسكري نظّم تحت عنوان مطاردة مجرمين وارهابيين، لتكون النتيجة، في الحالتين، تعريض ابناء المخيمات والجوار الى مزيد من عمليات القتل والتنكيل والتهجير والاذلال الذي لا يتوقف، باسم الامن والقانون.
لم تكن السلطة الفلسطينية يوماً في صف شعبها. تعاملت، ولا تزال، مع ابناء المخيمات على انهم بشر من الدرجة الثانية، يُشرون ويُباعون في سياق الالعاب السياسية. وفي كل مرة، يصار الى اسكات البعض من الوجهاء بقدر من المال، سرعان ما ينفق على حروب الازقة المدمرة اصلاً. ولم يكن العالم المتحضر(!) ليهتمّ بأكثر من تفكيك البنى الاجتماعية للفلسطينيين في الشتات كما على أرض فلسطين التاريخية. ولم تكن غالبية الحكومات العربية تتعامل مع هؤلاء الا بوصفهم عالة عليها.. فصودرت حقوقهم الانسانية والمدنية باسم العدالة وحق العودة والقضية.
في الاردن يطاحون لكون هاجس الوطن البديل يقلق ابناء البلد. وفي سوريا التي تميزت بالتعامل الانساني مع اللاجئين، تعاني المخيمات اليوم ازمة متصلة باختبار الموقف الالزامي من الازمة. وفي مصر لم يختلف المشهد بعد الثورة عما كان قبلها كثيرا، فظل الحصار يُطبق على صدور الفلسطينيين في طريق انتقالهم من قطاع غزة وإليه. اما في لبنان، فالمشهد يزداد مأساوية يوماً بعد آخر، في ظل انعدام كل الشروط الانسانية الضرورية لعيش طبيعي.

لكن فوق ذلك كله، يواجه فلسطينيو لبنان أزمة مختلفة. السلطات اللبنانية لا تعرف غير الجانب الامني طريقاً للتواصل مع ابناء المخيمات. حواجز وحصار وتدقيق وجيش من المخبرين ينتشرون في كل مخيم ومن حوله، وكمّ هائل من المعلومات التي يرسلها مخبرون تافهون يقبضون ثمن معلوماتهم بطاقة هاتف او صفيحة بنزين او رخصة مسدس او غضاً للطرف عن نقل «كيس ترابة» في سيارة الى المخيم. لا مجال لغير هذه العلاقة. فجأة يتكون اجماع سياسي ورسمي في لبنان على «فشّ الخلق» بهؤلاء.
تفشل السلطات في توقيف مسلح يقطع الطريق في وضح النهار في اي منطقة لبنانية، فيصار الى اعتقال فلسطيني مشتبه في انه يحمل حزاماً ناسفاً.
تفشل الاجهزة والسلطات المعنية في توقيف مجرم او مطلوب، فيصدر القرار بأنه هرب الى احد المخيمات.

لم يبق في لبنان منزل من دون سلاح، وتزدهر تجارة الاسلحة والمتفجرات على انواعها في كل انحاء البلد، فتكون النتيجة ان كل السلاح مصدره المخيمات الفلسطينية.
يدخل مقاتلون عرب عبر مطار بيروت، وعبر المرافئ والمعابر البرية، ثم تنطلق عملية البحث عن مجموعات «القاعدة» التي لجأت الى المخيمات الفلسطينية.
تتوتر العلاقات السياسية بين فئات لبنانية، فتكون النتيجة قرار القوى السياسية ادخال المخيمات طرفاً. يرفض مسيحيو 14 آذار مصافحة فلسطيني لكنهم يحثون تيار المستقبل على اقناع الفلسطينيين بأن يكونوا جيشاً له في مواجهة حزب الله.

تشعر سوريا بخطر استخدام قوى خارجية لمجموعات فلسطينية ضدها، فتبادر الى تحريك من يحالفها في المخيمات، وتكون النتيجة استنفارا من الاهالي استعدادا لموجة قتل جديدة.
وفوق ذلك كله، يُدمّر مخيم بأكمله، كحالة نهر البارد. فترقص في عقل اصحاب الاموال غير الشرعية فكرة السيطرة على الواجهة البحرية، لإرضاء الغرب واسرائيل التي لا تريد للفلسطينيين منفذاً بحرياً، وللاعداد لخطط ومشاريع سياحية واستثمارية على ما تبقى من املاك الدولة البحرية.. فيما يترك اهل المخيم تحت حصار متنوع سياسيا واعلاميا وامنيا وعسكريا واقتصاديا.
لا يزال قسم كبير من اللبنانيين يبيعون بلدهم وانفسهم لكل من يمر بالقرب منا، لكن هؤلاء يعيشون كذبة «الغريب» التي تتيح لهم بث عنصرية مقرفة، حتى يصبح من الجائز القول ان كل من يقتل فلسطينياً في لبنان اليوم، هو اسرائيلي الاسم والوجه والانتماء!  

السابق
السعودية تحذّر رعاياها
التالي
إخوان مصر: على خطى أردوغان أم أربكان؟