أزمة رجال.. أزمة كرامة!

تمّ الإفراج عن دفعة من الإسلاميّين.. مبروك.. ولكن كيف؟ واستناداً إلى أيّ أحكام؟ هناك جواب تلهج به عامّة الناس، «الإفراج تمّ سياسيّا» برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وذلك تنفيذاً لوعود سبق أن قطعها، وتنفيساً للاحتقان السائد في طرابلس، ومحاولة استمالة التيارات الأصوليّة التي تزداد نفوذاً وسطوة، وفتح أبواب المعركة الانتخابيّة على مصراعيها، انطلاقاً من تحديد الأحجام والأوزان في المدينة، ورسم خريطة التحالفات.

وليست الحجج والذرائع، بالمهمة، بل المخاوف، هناك خوف حقيقي على الوطن كياناً ومصيراً ووحدة أرض وشعب. هناك خوف حقيقي على الدولة ورصيدها، وسمعتِها، لأنّ ما يجري، إنّما على حساب هيبتها وسطوتها وكرامتها، وشرّ البليّة أن يخضع المنطق القانوني للمنطق الترهيبي، وأن تتحرّك زمر السلاح اللاشرعي بحرّية مطلقة، تهدّد وتتوعّد، وتعيث في الوطن فساداً، انطلاقاً من قناعة أصبحت راسخة لديها وهي «إنّ حيط الدولة أصبح واطياً، وتستطيع أن تقفز من فوقه ساعة تشاء؟!».

وكان «سيناريو» إعتقال الأصولي شادي المولوي، والإفراج عنه تحت وطأة الضغط والتهديد، عاطلاً، ومسيئاً بحق الدولة ومؤسّساتها، لأنّه غلّب اللاشرعي على الشرعي، وترك انطباعاً مفاده أنّ الدولة ضعيفة، مغلوب على أمرها، وقد اضطرّت للخضوع والتجاوب مع شروط وتهديدات المعتصمين في ساحة النور، وأفرجت عن الموقوف خوفاً من تنفيذ تهديداتهم، وبدلاً من أن يتهيّب المسؤولون الموقف، للحفاظ على ما تبقّى من هيبة، وكرامة، و»ماء وجه»، سارع بعضهم إلى «الرقص في الزّفة»، وعمل وزير المال محمد الصفدي المستحيل كي ينقل المفرج عنه من زنزانته إلى منزله، كما سارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى استقباله استقبال الأبطال الفاتحين، إنّ هذا الغلوّ في المزايدات المذهبيّة والطائفيّة والانتخابيّة، رسّخ قناعة عند العامّة، وخصوصاً الأقرب الى الدوائر الأصوليّة – السلفيّة، بأنّ استخدام القوّة بوجه الدولة، واللجوء الى التهديد والوعيد لابتزازها، إنّما هو أفضل وأنجع الأساليب التي يجب اعتماها لتحقيق الأهداف الظاهرة والمستترة.

ويرسم هذا «السيناريو التشبيحي» علامات استفهام كبرى: هل إنّ الذين يلتقون حول طاولة الحوار الوطني يمثّلون، وتنطبق عليهم مواصفات القيادة، أم إنّهم أصبحوا في وادٍ، ومن يدّعون تمثيلهم في وادٍ آخر؟، وهل من يمثل عاصمة الشمال، يمون فعلاً على التيارات الأصوليّة السلفيّة؟، أم أنّ هذه الظاهرة المتنامية قد أصبحت «خارج السيطرة»، غير ممثلة، ولا تعير وزناً للحوار وآدابه وقراراته، ولا حتى مرجعياته؟.

إنّ شادي المولوي كان المثل والمثال، وكان تصرّف كلّ من ميقاتي، والصفدي ينمّ عن ضعف وخوف من السلفية الناهضة في طرابلس، وكانت الحفاوة به، وما رافقها من مبالغة في مظاهر التكريم دليل ضعف، لا دليل شهامة واقتدار، والهدف كان استدرار عطف السلفيّين للتواصل معهم، ويأتي نبأ الإفراج عن الإسلاميّين ليخدم مشروع التطرّف، ويؤكّد على انتصار المنطق التهديدي – الترهيبي، على منطق الأصول، والقانون، ورهبة السلطة، وهيبة الدولة، لا بل إنّ مشاركة بعض مَن هم في الحكومة في التهييص والتطبيل احتفاءً بـ»المحرّرين»، إنّما هو الرياء بعينه، لأنّ من احتفل لم يفعل ذلك ترحيباً بالذين أطلق سراحهم، بل نكاية بالدولة، وتأكيداً للانتصار على قراراتها، وإجراءاتها، ومؤسّساتها، وعلى قاعدة: «الحق للقوّة يا سيدي … وليس للحق؟!».

وغريبة هي المصادفة، أن يتزامن فعل الإفراج عن الإسلامييّن، في الوقت الذي كان يتعرّض فيه الجيش اللبناني إلى أبشع حملة تحريضيّة ضدّه، استُخدمت فيها العبارات التي سبق أن سمعها اللبنانيّون من بعض نوّاب عكّار قبل أسابيع، عندما طالبوا بسحبه من المنطقة لكي تصبح «منطقة كل من إيدو إلو، مفتوحة على غاربها أمام المستثمرين في الفوضى والفتنة». إنّ التوقيت والتزامن بين «حملة» الإفراج عن الإسلاميّين، وحملة التجنّي على الجيش لا يشكّلان علامة فخر واعتزاز عند ممثيلي مدينة طرابلس في الدولة، والحكومة، والمجلس النيابي.

وغريبة هي المصادفة أن يتوافق الخطاب الفلسطيني، مع الخطاب الأصولي في طرابلس وعكّار، وأن تتلاقى العصبيّة الفلسطينيّة مع العصبيّة الأصوليّة التي تحنّ الى الإمارة، ودولة الخلافة، وإذا تمكّنت التيارات الأصوليّة من تحقيق الإنسلاخ عن «لبنان الكبير»، أو الالتحاق بإمارة «حمص الكبرى»، فإنّ دعاة التوطين من اللبنانيّين والفلسطينيّين سيكونون في ذروة نجاحهم وتألّقهم، لأنّ «التفتيت، يعني التوطين حتما»، والظروف التي كانت ضاغطة في العام 1975، هناك ما يماثلها اليوم، فهل يعيد التاريخ نفسه ؟!.  

السابق
المواطن حسن درويش جثة بالقرب في صور
التالي
قنبلة موقوتة