في انتظار الانقلاب

الدقائق الأربعون التي أمضاها أوباما وبوتين في بحث الملف السوري أفضت إلى تثبيت التفويض الأميركي غير المباشر وغير المعلن لروسيا بإيجاد حل للأزمة السورية يحفظ مصالحها ويؤدي في الوقت نفسه إلى التغيير المنشود. لكن خيارات موسكو تبدو محدودة للغاية في ضوء المعطيات القائمة.
فواشنطن ومعها المعارضة السورية والعالم لا تريد أن تقتصر أي خطة لوقف العنف على الشأن الأمني، بل أن تتعداه إلى حل سياسي انتقالي، فيما الروس يرفضون أن يكون التغيير السياسي شرطاً مسبقاً لوقف العنف. لكن بسبب عدم رغبة الأميركيين وعدم قدرتهم على التدخل العسكري لأسباب اقتصادية وانتخابية، وأخرى تتعلق بمخاوف إسرائيل من «الهلال السني» الممتد من تركيا إلى تونس مروراً بغزة، وعدم توافر الغطاء الدولي الشرعي أساساً، ركز أوباما خلال اللقاء على إقناع بوتين بأن من مسؤولية روسيا ابتداع حل يستجيب مطالب الطرفين.
وقد حرص الرئيس الروسي على عدم إظهار قبوله بالتفويض الأميركي لأن ذلك يقوض صدقيته كحليف يعتمد عليه، لكنه استخدم اللقاءات اللاحقة مع قادة أوروبيين مثل البريطاني كامرون والفرنسي هولاند لتسريب ملامح الحل المزمع، وبينها عدم تمسكه ببقاء الأسد.
ويتركز اعتراض روسيا الرئيسي على غياب أي ضمانات بالنسبة إلى مصالحها من جانب القوى البديلة للقيادة السورية الحالية، وشدد بوتين خلال محادثاته على ما يعتبره «فشل» المرحلتين الانتقاليتين في ليبيا ومصر حيث لا يزال العنف والتوتر قائمين ويهددان بالتوسع وإبقاء البلدين ضحية النزاعات الداخلية لفترة طويلة.
كما أن الأسد الذي يرفض في شكل قاطع فكرة التنحي، لكنه يدرك في الوقت نفسه حجم الضغوط التي تتعرض لها روسيا، أوفد مستشارته بثينة شعبان إلى موسكو عشية لقاءات المكسيك لتذكير روسيا بأن مصالحها ستتعرض للخطر إذا هي تخلت عنه، لأن البديل أياً كان لن ينسى مواقفها الداعمة للنظام. ولهذا قال الأميركيون إنهم يعرفون بأن الروس تلقوا تهديدات وإنهم يصدقون ما يقولونه عن أن هدف إرسال سفن حربية إلى سواحل سورية هو الاستعداد لإجلاء رجالهم ومعداتهم في حال وصلت التهديدات إلى مرحلة التنفيذ.
هذه المعطيات تضع موسكو أمام حل وحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه: الانقلاب العسكري. فتقوم مجموعة من الضباط، بمن فيهم ضباط علويون، بإطاحة الأسد وتشكيل مجلس عسكري يعلن وقفاً شاملاً للعمليات الأمنية ويطلق الموقوفين ويقود مرحلة انتقالية قد تمتد لعامين وتشهد انتخابات برلمانية ووضع دستور جديد، وتنتهي بانتخاب رئيس، ما يمنح موسكو الوقت للتفاوض مع القوى الناشئة في سورية على المصالح الاستراتيجية الروسية.
ويفترض هذا الحل قبول مختلف أطراف المعارضة بدور المجلس العسكري في إنجاز المصالحة الوطنية بعد الفرز الطائفي والمذهبي الذي عمل نظام الأسد على إذكائه، وموافقتها على وقف العمل المسلح، في ضوء تأكيدها أنها حملت السلاح أساساً دفاعاً عن نفسها وأنها تلتزم التعددية وحماية مصالح الأقليات ودورها.
لكن السؤال هو هل ينطلي مثل هذا التدبير الروسي على المعارضة السورية فتقبل به كحل لا يطيح النظام من جذوره؟ الجواب سيكون سلبياً بالتأكيد في ظل الحصار الدولي المطبق على الأسد وتراجع قدرة جيشه على الحسم وامتداد التململ إلى فئات اجتماعية وقفت على «الحياد» حتى الآن، لكن الأميركيين والأتراك وآخرين قد يتكفلون بإقناعها. 
 

السابق
الحياة: بان: ندعم حكومة لبنان للتهدئة
التالي
توافق الكبار