المخيّمات.. وهج النار

لم تفلح التحذيرات التي كانت وصلت الى غير جهة لبنانية من مغبة ما يحضّر للبنان على المستوى الأمني. فقد انفلتت زمام الأمور هذه المرة من جهة المخيمات التي يجمع عليها الرأي بأنها قنبلة موقوتة لها صواعق عدة، موزعة بين العديد من الاطراف في الداخل والخارج. لكن ما حصل في الايام القليلة الماضية يشير الى أن الصاعق الأساسي ممسوك بفعالية من قبل الطرف الذي يصعّد من وتيرة التوتر الأمني واضعاً هدفاً اساسياً وهو اسقاط الدولة في لبنان عبر استهداف الجيش في العديد من المناطق الخاضعة لنفوذ ذلك الطرف.

الإشكالات التي حصلت في مخيمي الفلسطينيين في شمال لبنان وجنوبه لم تكن سوى امتداد لما كان بدأه السلفيون والجماعات الإسلامية المتشددة في شمال لبنان على خلفية ما يجري من حوادث في سورية وعلى الحدود السورية – اللبنانية عند أكثر من نقطة، بهدف إنشاء «منطقة آمنة» ومحطة استراحة وإعادة تأهيل للمسلحين الفارين من السلطات السورية التي طاردتهم بعدما بدا لها أن الأسلوب القديم القائم على مبدأ الرد البطيء بالتعاطي معهم لم يعد يجدي نفعاً، الأمر الذي نحى بالجماعات التي تديرها الى اللجوء الى خطة إرباك الساحة اللبنانية في أكثر من نقطة حساسة، منها المخيمات الفلسطينية من أجل تحويل وجهة الجيش باتجاهها عقب الضغط الذي مارسه في شمال لبنان لناحية توقيف المسلحين في عكار وعلى الحدود وملاحقة مهربي الأسلحة.

لم يقتصر المخطط الذي وضع لإرباك الساحة اللبنانية على تحريك جزء من السلاح الفلسطيني داخل المخيمات باتجاه الجيش اللبناني فقط، وإنما لحظ في جزء منه تفجير الوضع الداخلي في ما بين الفلسطينيين انفسهم داخل المخيمات، إذ عمد جهاز استخبارات عربي الى تأمين كلفة انتقال عدد كبير من السلفيين والإسلاميين المتشددين من جنسيات مختلفة الى لبنان والتمركز داخل المخيمات تمهيداً لنقلهم الى سورية في وقت لاحق، على أن تنفذ مهمات سيطرة داخل المخيمات باستهداف بعض الأحزاب والتيارات الفلسطينية التي تعتبر مقرّبة من دمشق، في حين أن مشروع التقارب الفلسطيني – الفلسطيني لم ينجح حتى اللحظة في إزالة الاختلافات التي تحول دون تطور الخلاف السياسي الى نزاع مسلح بين الفصائل الفلسطينية التي إذا ما بدأت قتالها في لبنان فإنها ستجرف معها البلد بأسره لاسيما المناطق الأكثر خصوبة في شمال لبنان والتي افتتحت المعركة مع الجيش والدولة فيها.

تقول مصادر تابعت قضية التحرك الفلسطيني الأخير، إن إجراءات امنية وعسكرية اتخذت تفادياً لتفاقم الأوضاع في المخيمات والتي ابدى أهلها والقيمّون عليها استعدادهم للتجاوب مع تلك الاجراءات، لكن اطرافاً تحاول وضع شروط مختلفة ما ينذر بفشل ما وُضع من خطط على هذا الصعيد، غير أن السؤال يبقى قائماً حول التدابير التي تنفذ حيال من دخل المخيمات في الآونة الأخيرة ضمن المهمات التي جرى الحديث عنها آنفا؟،ً وكيف يمكن أن يكون الحل؟، وما دور القوى الفلسطينية داخل المخيمات في ذلك؟.

ليست المعالجات القائمة إلا نوعاً من المساحيق التجميلية لصورة بشعة دفعت ثمنها دول عربية في وقت لم تحرك أطراف داخلية تراهن على دور حاسم لتلك المجموعات المسلحة في المخيمات وخارجه ساكناً، لا بل ينبري مسؤولون في الدولة لتطييب خواطر شركاء لهم إما خوفاً منهم أو محاباة لهم وفي كلتا الحالتين النتيجة واحدة.
تشير المصادر الى أن سرعة تحرك الأوضاع في سورية وما ينفذه الجيش هناك من عمليات عسكرية، لا سيما في حمص قد يكون له نتائج إيجابية لجهة إخماد وهج نار التوتر في لبنان ومخيماته.. إذا ما كانت الدولة جاهزة في اللحظة المناسبة لذلك.  

السابق
يرحم ايامك يا بول !!
التالي
أشتون: (5+1) لحل دبلوماسي