أجمل تحيّة في عيدك.. مننا ومن أمك بابل

اليوم، هو يوم الوفاء لكَ عن بعضٍ من تضحياتك الجسام. إن كنتَ عسكرياً أو رجل أمن، فلا داعي للتحدّث عن سهركَ، وعن المخاطر التي تتعرّض لها في كل لحظة، وإن كنتَ معلّماً، فلصولاتك وجولاتك في ميدان العلم والمعرفة فصولٌ لا تنتهي، أما إن كنتَ فلاحاً، فعبق أرض الوطن يا والدي عالقةٌ بين أظافرك، ولعمري إن لهذا العبق أريجٌ أين منها أزكى العطور. أما إن كنتَ عاملاً، فإن كفّيك اللذين أدّيت بهما صناعةً ألبست الناس وأفرحت قلوب الأطفال بحذاء العيد، كانا أروع ما حملني وأنا صغيرٌ، وخير ما كنت "أتكمّش" بهما لدى إحساسي بالخوف.
بالنسبة لجان جاك روسو، الأديب الفرنسي الشهير حين قال: "من لا يستطيع أن يقوم بواجب الأبوّة، لا يحق له أن يتزوج و ينجب أبناء"" وأنا أوافقه

وتعود جذور عيد الأب إلى ما قبل 4000 عام في بابل القديمة، إلا أن حضور هذا العيد يبقى محدوداً في الأوساط الاجتماعية العربية في شكل عام ومنها الأردن، ولا يحظى بالمقدار الذي يناله عيد الأم من اهتمام، على رغم أنهما يكادان يتساويان في الأدوار.
 وحكاية عيد الأب بدأت مع شاب كلداني في بابل، الذي تمنى الصحة الجيدة والعمر المديد لأبيه الذي كان يعتني به ويحبه كثيراً ويعطف عليه، فكتب أمنياته تلك على لوحة مصنوعة من الطين وأهداها إلى والده، ومنذ ذلك الحين تطور هذا التقليد واستمر إلى أن تم تخصيص يوم لتكريم الآباء في أنحاء مختلفة من العالم.

في العصر الحديث كانت بداية عيد الأب في الولايات المتحدة عام 1924 عندما أعلن الرئيس كيفن كوليدج، الأحد الثالث من حزيران (يونيو) عيداً للأب. وفكرة تكريس يوم للأبناء لتكريم آبائهم بدأت في واشنطن وسبوكن عام 1909، عندما خطرت هذه الفكرة لامرأة تدعى سونورا سمارت دود بينما كانت تستمع الى خطبة عيد الأم في الكنيسة. وكانت هذه السيدة يتيمة الأم، وتولى والدها تربيتها وأشقاءها الخمسة بحنان وعطفٍ شديدين مقدماً تضحيات مختلفة في سبيلهم، وبما أن عيد ميلاد والد سونورا كان في الخامس من حزيران (يونيو)، ارتأت الابنة أن يتم الاحتفال بالمناسبة في الشهر نفسه، وكان لها ما أرادت، فأقيم أول احتفال في واشنطن في يوم 19 حزيران (يونيو) عام 1910، ثم بدأ الاحتفال بهذا العيد في مدن مختلفة في الولايات المتحدة، وكانت رائدة الاحتفالات السيدة شارلز كلايتون من غرب فرجينيا. في السنوات الأولى كانت تقدم الزهور في هذا العيد، فكان اللون الأحمر لتكريم الآباء الأحياء والأبيض للآباء الذين غادروا الحياة.

وأقرّ الكونغرس الأميركي هذا العيد عطلة رسمية في الولايات المتحدة عام 1972، بعد مرور أكثر من ستين عاماً على الاحتفال به لأول مرة سنة 1910، وانتشر يوم الأب في بلدان كثيرة ومنها بعض البلدان العربية، إلا أن موعد الاحتفال به يختلف كثيراً بين الدول والشعوب، ولم يتم الإجماع عليه مطلقاً. وفي حين تحتفل تونس بالعيد، كما في الدول الغربية، في الأحد الثالث من شهر حزيران، تحتفي سورية ولبنان بالعيد في الحادي والعشرين من حزيران، مع بداية فصل الصيف، وهناك بلدان كثيرة في أرجاء العالم يزيد عددها على سبعين دولة تحتفل به في أوقات مختلفة من العام. 

لكنّ النظرة التجارية لموضوع عيد الأب تبقى ناقصة الى يومنا هذا أمام تجاهل الواقع المنظور. فهذا العيد ما زال مجهولاً للكثير من اللبنانيين، فالكثير لا يعني لهم يوم 21 حزيران شيئا، وهذا ما يُظهر أنّ هذا العيد لم يُنقَش بعد في ذاكرة اللبنانيين، وهم يحتاجون إلى مَن يذكّرهم به وإلاّ مرّ مرور الكرام من دون أجواء البهجة والاحتفالات التي ترافق عيد الأم.

وعلى رغم أنّ الوسائل الإعلامية المحلية، وخصوصاً المرئية منها، توجّه المعايدة للآباء في هذا اليوم، فالمؤسسات الاجتماعية الأخرى لا تؤدي الدور نفسه. وهذا ما يمكن ملاحظته في المدارس أولاً، وتقول باميلا، التلميذة في الصفّ السادس ابتدائي، انّ المعلّمات يحضّرن التلاميذ لعيد الأم قبل أيام، ويعلّمنهم القصائد وتحضير الهدايا البسيطة، فيما لا يتذكّرن عيد الأب أبداً، ربما لكون تاريخه يأتي في فترة الامتحانات المدرسية.


الأسباب عديدة لكون عيد الأب لم يكتسب موقعه الثابت في قواميس الأعياد في لبنان بعد، لكنّ السنوات المقبلة يمكن أن تحمل مفاجآت على هذا الصعيد، خصوصاً أنّ شخصية الأب بدأت تتغيّر في المجتمع اللبنانيّ مع الجيل الشاب إذ أصبح أكثر اتصالاً مع أطفاله وهو يساعد في تربيتهم تماماً كما الأمّ من دون أن يقتصر دوره على الالتزام بدور الرجل السلطويّ أو المُعاقِب والمحاسِب. 

في عيدالاباء وعيدك يا والدي، نعترف ان كلماتك ونصائحك، وتعبك وراحتك، يخجلاننا ونشعر اننا ضعفاء امام تضحياتكم فلكم منا الف تحيّة.
 
وكل عام وانتم بخير

السابق
في الوظيفة الإسرائيلية
التالي
العلاقة بين لون بشرتنا والنوم