جبران باسيل

صار موقع وزير الطاقة لدى الرأي العام أشبه بوزير المال. الشتائم تكال له من كل حدب وصوب. وجبران باسيل، يصعب الدفاع عنه. في ظل الأزمة الكهربائية التي تعيشها البلاد، غادر إلى البرازيل، حيث سيلتحق برئيس الحكومة نجيب ميقاتي للمشاركة في «قمة ريو+20». البلاد تشتعل بالدواليب غضباً من غياب الكهرباء، فيما المسؤولان الأولان عن حل الأزمة طائران فوق المحيطات. ورغم استحالة فعل أي شيء، راهناً، لإيجاد حل جذري للأزمة المستفحلة، لا يستطيع أحد تبرير خروجهما من بيروت المظلمة.
لا يمكن التعمية على مسؤولية باسيل المباشرة عن إيجاد الحلول لأزمة الكهرباء. لكن من الجور تحميله مسؤولية الأزمة بحد ذاتها. ورث الرجل تركة من الخراب بناها من أخرجوا الوزير الراحل جورج افرام من وزارة الطاقة في بداية تسعينيات القرن الماضي. ثم رفع مداميكها جميع من تسلموا رئاسة الحكومة ووزارة الطاقة ورعاتهم منذ ذلك الحين.

ثمة الكثير مما يمكن قوله في «ذم» جبران باسيل. هو لا يجيد شرح ما في حوزته من أفكار وخطط، ولا يعرف أصول التحشيد لدعمها. وهو لا يتقن لعبة الإعلام. الكيمياء مفقودة بينه وبين معظم الصحافيين. يستهلك نفسه في مؤتمرات صحافية لا تُحصى. ولا يقدر على التعبير إلا غضباً. يغضب في جلسات مجلس الوزراء إذا حشره زميل له. ويغضب إذا عبّر عن رأيه بخصومه. يسهل استفزازه، ويجيد استفزاز من هم في الضفة المقابلة لموقعه السياسي. لكن الاهم من ذلك هو انه لا يجيد تسويق «انجازاته». وعندما يحذّر من الليالي المظلمة الآتية لا محالة، يضيع «نقّه» في زحمة الرقم القياسي للمؤتمرات الصحافية.
منذ النصف الثاني لتسعينيات القرن الماضي، اتخذت السلطة السياسية قراراً بوقف الاستثمار في إنتاج الطاقة. والمعادلة هنا بسيطة جداً: التعداد السكاني والاستهلاك ينموان. وثمة حاجة لإنتاج الطاقة لسد الطلب المتزايد. لكن العقل الذي لم يكن يرى في غير الخصخصة حلاً لأزمات القطاعات الحكومية، لم يرد «تضييع» موارد الدولة في بناء معامل انتاج كهرباء، او في بناء سدود للمياه.

جبران باسيل طرح خطة للكهرباء في لحظة سياسية سمحت بإقرارها في مجلس الوزراء الذي كان يرأسه الرئيس سعد الحريري. أقرت الخطة، لكنها لم تأخذ طريقها للتنفيذ بسبب العرقلة التي تعرضت لها، ثم سقوط الحكومة. وفي عهد الرئيس نجيب ميقاتي، اوصل باسيل، ومن خلفه التكتل الذي ينتمي إليه، الائتلاف الحكومي إلى حد الانهيار. وضع امامه هدفاً واضحاً: إلزام الدولة بالعودة للاستثمار في الكهرباء. كان له ما أراد، بعد تهديده بفرط عقد مجلس الوزراء. ولما وضع خصومه شروطاً شكلية على تنفيذ خطته التي تحتاج إلى سنوات لإتمامها، خرج ليتصرف كمهزوم. من حصل بقانون على أكثر من مليار دولار لإنتاج الطاقة وتوزيعها، حسب نفسه في خانة الخاسرين، لا لشيء، إلا لأنه لا يجيد التعامل مع الإعلام.

وفي الأزمة الراهنة، وربما هي الأقسى في حالات السلم، يتحمل باسيل مسؤولية مباشرة عن توفير الحلول. لكن الإنصاف يوجب التوقف امام الواقع الذي يشير إلى ان الرجل سبق أن رفع صوته، وقبل نهاية العام الماضي، من أجل التحذير من الوصول إلى ما نحن عليه اليوم. شرح وزير الطاقة حينذاك واقع الكهرباء، وقال إن عدم الاستعانة ببواخر الكهرباء سيؤدي إلى إدخال البلاد في العتمة. كررها في العلن، وعلى طاولة مجلس الوزراء. إلا أن بعض شركائه آلوا على أنفسهم التصرف معه على قاعدة ان مواجهة العونيين «ربّيحة» شعبياً. جرت عرقلة خطة استئجار البواخر، بذريعة السعي إلى توفير المال على الدولة. وفيما كانت هذه الحجة تُسوّق إعلامياً، كان أحد من بيدهم اتخاذ قرار الاستئجار يقول في السر إنه لن يسمح لباسيل بتنفيذ خطته. واستمرت المماطلة في ملف البواخر، إلى أن أقر استئجارها، بعد فوات أوان الاستفادة منها هذا الصيف. من جديد، رميت كرة النار في حضن باسيل. وبعض خصوم الأخير، خصوصاً من القوات اللبنانية وتيار المستقبل، يقولون سراً عكس ما يعلنون. يقرّون خلف الأبواب المغلقة بأن خطة وزير الطاقة هي الحل الامثل لأزمة الكهرباء. مفصحين في الوقت عينه عن اضطرارهم لمهاجمة خصمهم «بالسياسة». و«بالسياسة»، صار الهدف شن أقسى هجوم شخصي على الوزير «اللبيس».
 

السابق
سياحة جديدة في المستوطنات: كيف تقتل فلسطينيا !؟
التالي
مناورة إسرائيلية على تخوم مزارع شبعا