المواطنة المغدورة


لا نجد في يوميات اللبنانيين وفي سلوكياتهم في معنى المواطنة، ما يدّل إلى أصول وطنية، ذلك انهم لا يبتعدون عن أصولها فحسب، بل يموهونها، ويحتقرونها إلى حد اختفائها التام. لا يملك اللبناني القدرة على ازدراء معنى المواطنة فحسب بل هو في تطلعه إلى «فردانية» متوحشة، يمتشق شخصية «الغانغستر»، وينكفئ إلى شخصية خاصة به لا تشبه أية شخصية في العالم، حتى لتبدو بلا تاريخ، وبلا انتماء وبلا أي حنين لهذه الأرض (ولا نقول الدولة هنا) التي يعيش عليها. اللبناني لا يفعل سوى البحث عن منفعته الخاصة، وعن نفسه، وليس أبداً عن جذوره أو ما يحكى له عنها. اللبناني يحسب انه في سعيه إلى ما يناسبه، بطولة لا تدانيها بطولة، وفرادة تمجّد صيته المرشوم بـ«الحربوق» و«الشاطر» على حساب فكرة المواطن، وفكرة الوطن التي تسعنا جميعاً في رحابة ملحمية لا يشوهها سوى الساسة والحكام، أساس فكرة اللبناني عن نفسه وعن عيشه وعلاقاته بالآخرين، وعن فخ وقوعه في عملية «قلع شوكه بيديه».

الكلام على الساسة الذين غيّروا في أخلاق اللبنانيين وفي علاقتهم بوطنهم وبأبناء هذا الوطن، ليس جزافاً بل هم أسوأ من ذلك بكثير. مع هذا، لا يجب ان يعفي اللبناني نفسه من أخلاقيات مدينة باتت غائبة عنه تماماً.

تكفي نظرة سريعة على تصرفات غالبية اللبنانيين لنعي حجم الدمار الأخلاقي الذي تردى فيه أغلبنا، وحجم الابتعاد عن مفهوم المواطنة المرتبطة بحاجتنا كمجتمع وكدولة معاً، إلى تحديد للحقوق والواجبات وما يترتب عليهما، فالمواطن هو الجدير بوطنه، وهو الشجاع الذي يهب نفسه للخدمة العامة، ليملأ بعض الفراغ الأسود الآخذ في الاتساع في سلوكياتنا، وفي فلسفتنا الجديدة إلى حياة على حساب الآخرين، وحساب حريتهم… وحتى لقمة عيشهم. عصبية ضيقة تأخذ بخناقنا، وتراجع إلى امحاء لمفهوم المواطنية، كما لو أننا نفقد بذلك أهم منجزات الحداثة، مع ذلك نتشدق بها علناً وجهاراً… عيب!
  

السابق
تطوير معلم مليتـا بمتحف لتوثيـق التضحيـات
التالي
إسرائيل وغزة: التحاور بالنار في ضوء الحدث المصري