إسرائيل وغزة: التحاور بالنار في ضوء الحدث المصري

أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بني غانتس أن قواته «لن تمر مرور الكرام» عن إطلاق المقاومة الفلسطينية يوم أمس أكثر من 40 صاروخاً من قطاع غزة.
ورغم ترافق التصعيد الناري في القطاع مع عملية عسكرية ضد إسرائيل من شبه جزيرة سيناء إلا أن أحداً لا يجزم بترابط الأحداث. فقد أعلنت منظمة تدّعي قربها من تنظيم القاعدة أنها نفذت العملية في سيناء. ومع ذلك ليس بوسع أحد إنكار الترابط في الأجواء والمناخات بين ما يحدث في غزة وسيناء والقاهرة. ومن الجائز أن هذا الترابط هو ما يخلق التعقيد في رؤية الأحداث وتطوراتها.

ومن الواضح أن أحداث اليومين الأخيرين تضمّنت عناصر جديدة لا يمكن إغفالها. فقد جرت في ظل الحديث عن فوز المرشح الإخواني محمد مرسي بمنصب الرئاسة المصرية، وهو ما يرى البعض أنه ينطوي على تشجيع لحركة حماس في قطاع غزة. كما أن هذه هي المرة الأولى منذ فترة طويلة التي تعلن فيها حركة حماس، عبر ذراعها العسكري «كتائب القسام»، إطلاقها صواريخ باتجاه إسرائيل. وقد جاءت هذه الإطلاقات بعد تعرض الجيش الإسرائيلي لأحد نشطاء حماس، في إشارة إلى أن الحركة ليست في وارد «أن تمر مرور الكرام» على ذلك. ومعروف أن حكومة حماس في قطاع غزة سعت لمنع التصعيد في القطاع من خلال ضبط محاولات إطلاق الصواريخ على إسرائيل، خصوصاً بعد الجولة الأخيرة التي حققت فيها حركة الجهاد إنجازاً بفرض تفاهمات تقضي بأن التهدئة ليست من طرف واحد. كما أن من يتابع السلوك الإسرائيلي يتبين له أن إسرائيل لا تهرع إلى التصعيد في هذا الوقت الذي تحاول فيه دراسة ما يحيط بها من تغييرات. لكن إسرائيل، التي دأبت على تكريس مبدأ الردع، اعتادت على أن تردّ «بشكل تلقائي» على كل ما تتخيّله مساساً بها.

وإذا كان لما سبق من معنى فهو أن التصعيد الراهن في القطاع يقع ما بين احتمالين لا ثالث لهما: محاولة حذرة لاختبار قدرات وحدود صبر كل طرف من ناحية، وتورط غير مرغوب به ينبغي وقفه بأسرع وقت. وبكلمات أخرى فإن التصعيد في غزة هذه المرة بدأ باستهداف الجيش الإسرائيلي لمواطنين فلسطينيين في بيت حانون بدعوى أنهما قناصان. وتم الردّ على ذلك بإطلاق محدود لصواريخ، ونحو مناطق مفتوحة. بادرت إسرائيل لاستهداف محدود لحماس وقوى أخرى بقصد إثبات أنها صاحبة القول الفصل في التصعيد وتطوير أدوات المعركة. ردت حماس وقوى أخرى بإطلاق صواريخ نحو معسكرات للجيش الإسرائيلي في صحراء النقب.

وهذا يعني في الغالب أن الطرفين يخوضان معركة مدروسة وبالحدود الدنيا. فبوسع إسرائيل شنّ هجمات أشدّ دموية، وهي لم تفعل لأن اللعبة تجري حتى الآن في «نطاق عسكري». وكان بوسع حماس وقوى المقاومة الرئيسية الأخرى مثلاً إطلاق صواريخ باتجاه مدن كعسقلان واسدود وبئر السبع. ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن. ومن الجائز ألا يحدث. وإذا بقيت الأمور على هذا النحو فالسخونة الحالية ستتراجع وهو ما يرجّحه كثيرون.
وهذا يدفع للحديث عن تعابير يزداد استخدامها في قطاع غزة، وربما سيتعزز استخدامها لاحقاً، وهي تذكر الجميع بتلك التي استخدمت مع جنوب لبنان. وبين هذه التعابير: «الحرص على علو اللهيب»، و«التحاور بالنار». والأرجح أن هذا الحال سيتواصل بين مد وجزر غير كبيرين، إلى أن تتضح معالم الصورة النهائية للوضع السياسي في مصر.

السابق
المواطنة المغدورة
التالي
نقولا ينسحب من لجنة العنف الأسري: ما يحصل عنف ضد المرأة وليس حمايتها