ويريدون العبور إلى الدولة؟!

بالمعنى الضيّق للأوطان، بعيداً عن مفهوم الأمة وحدودها وشواسع قفارها ونضارها ومضارب حكّامها وسلاطين إقطاعاتها المتعدّدة الأوجه والغايات، الخفية منها والظاهرة، وما يستتبع ذلك من معسول الكلام والتأنق وسلاسة التملّق الذي يكتم الغيظ المكبوت تحت سقف المثل القائل «أرد ما يكون»، تجد نفسك مواطناً أغتيلت كل تطلعاته ودمّرت إنسانيته ومرّغت قوافل المتسلقين، على كل المستويات، مداركه في أوحال التكاذب الذي أمّن للوصوليين تحقيق ما رسموه في مخيلة غدهم من استرخاء على وسائد الوعود التي يجترّونها كلاماً وخطباً كل يوم على مسامع «المهابيل» الذين ما زالوا يعيشون أحلام اليقظة، بأن لأمثالهم وفي سبيل رفاهيتهم وغد أولادهم أنشئت الدول وقامت الممالك، وهم ما زالوا حتى تاريخه يعيشون سراباً صحراوياً، تطور في الآونة الأخيرة ليصبح أكاذيب مكاتب مكيّفة ومقاعد وثيرة تتيح للمشعوذين من أهل السياسة سهولة إيصال رسائلهم إلى العقول التي « يقتلها الظمأ والماء فوق رؤوسها محمول».

كيف لهذه النظرة السوداوية ألا تتحكم في السواد الأعظم، وهذا السخط العارم على بعض مكوّنات السلطة، أيّ سلطة، وبعض المفترض بهم أن يكونوا طلائع المنددين والمنتفضين على الحالة المزرية التي تعيشها غالبية الناس، قد شربوا من البئر نفسها، كي لا يقال إنهم «قد فقدوا عقولهم وأصبحوا في عداد المجانين؟»… وإذا كان لا بد من الانتقال من حال اليأس إلى حال أقل تشاؤماً فيها فسحة أمل، ولو كان ذلك الأمل مشوباً بالقلق وعدم الثقة بتنامي نزوعه نحو التخلص من سوداوية المستقبل الآتي، نتساءل مع المتسائلين وفي ذاكرتنا مجلّدات من الأسئلة التي لم نحصل على جواب عنها بعد، وأظننا لن نحصل، وهي:
أولاً: ماذا جرى في شأن فضيحة المازوت الأحمر؟ وإلى أين أفضت التحقيقات مع الشركات أو المحتكرين الذين حرموا اللبنانيين الإفادة من الدعم الحكومي لهذه المادة الحيوية؟ علماً أن ما صدر عن المراجع المختصة بهذا الشأن لم يشف غليل أحد.

ثانياً: إلى أين وصلت التحقيقات في مسألة اللحوم الفاسدة؟ والأدوية المزورة؟ ولماذا أعيد النظر في قضية الإعلانات، التي منعت سابقاً، للمتاجرين بما يسمى أدوية الأعشاب وبعض المستحضرات المشكوك في سلامتها؟
ثالثاً: ما هي التدابير التي اتخذت في حق بعض المطاعم التي لم تعلن أسماؤها بعد، والمؤسسات التي أضاء الإعلام بشكل واضح على فضائح مخازنها ومطابخها غير المتمتعة بالشروط الصحية المطلوبة؟
رابعاً: ماذا عن مسألة الكهرباء وتأمين البواخر أو أي مصدر بديل لتعويض النقص في التغذية الكهربائية وخفض التقنين ومحاربة مافيا المولدات؟ هل ذهبت كلها أدراج الرياح وبقي على المواطنين تحمل القيظ القاتل وتوقف عجلة الإنتاج الصناعي والمصالح الحيوية كافة؟

خامساً: ماذا عن بواخر الأسلحة التي ترسو في «موانئ الدولة» و«على عينك يا تاجر» ولم « تُعرف» إلى الآن الجهة التي تقف وراءها، إذا كنا لا نريد أن نقول «المافيا» أو «العصابة»؟ وما المقصود من إدخالها ولمصلحة من يستقدم السلاح؟ علماً أن المواطن، العادي جداً، أصبح على يقين من أن هذا السلاح استقدم لإثارة الفتنة وأخواتها…

سادساً: ماذا عن الإفراج عن العملاء بأساليب و«تركيبات» غامضة وإخلاء سبيل مهربي الأسلحة و«الاعتذار» منهم وتكريمهم! وتقديم المساعدات إليهم بأشكال مختلفة لاسترضائهم واسترضاء أسيادهم؟!
سابعاً: ليس لأن الأسئلة حول الوضع القائم وصلت إلى نهايتها، لكن اختصاراً للكلام المباح ورحمة بأعصاب القارئ الكريم: لماذا لم نسمع، ولو مرة واحدة، أن حكماً ما صدر في قضية فساد، وما أكثر قضاياه: فساد تجاري، ضريبي، قضائي، أخلاقي، تعامل مع العدو، تجاوز صلاحيات، رشى، غش في تطبيق المواصفات المطلوبة في المشاريع؟… واللائحة تطول ولا تنتهي؟

إن كنا نريد العيش في دولة يحكمها القانون لا المافيات المتعددة الرؤوس، المحمية من بعض أصحاب النفوذ، وبعض أصحاب التسلّط، فليُطبّق مبدأ المحاسبة المتمثل في قانون «من أين لك هذا» على الجميع، وليتحمّل كل مواطن مسؤولية أعماله.  

السابق
كهرباء بلا تيّار..!
التالي
خمسة من أبناء شهداء قانا يتسلمون مخصصاتهم من الحريري