ما لم يُقل على طاولة حوار بعبدا

كلام هام ودقيق قيل على طاولة الحوار في بعبدا الاثنين الماضي، الا ان هناك الكثير مما لم يقال وربما اكثر اهمية تجنب اقطاب السياسة في لبنان الإعلان عنه، وهم يعرفون فرادى وجماعات ان مخاطر جمة تهدد لبنان، وتهدد حيثياتهم السياسية والشعبية.

فرئيس الجمهورية ـ ورغم الاجماع على اهمية مداخلته في جلسة الافتتاح ـ يعرف ان ما قاله ليس كل ما يعرفه، وهو يدرك ان السنتين المتبقيتين من عهده قد تتحول الى حرب سنتين جديدة تشبه عامي 1975 و1976 وعامي 1983 و1984 وهو مرشح لأن يتحول من رئيس تسوية وإنقاذ الى رئيس تسوية وإنقاذ الى رئيس يدير الأزمة.

ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي استغل طاولة الحوار للرد على الاتهامات له بالتقصير في احداث طرابلس والشمال يدرك ان التحديات امامه ليست فقط من مطالبات قوى 14 آذار له بالاستقالة، وليست ايضا من الضغوط الاقتصادية الكبيرة على حكومته، بل ان الجانب الكبير من هذه التحديات، والتي لا يستطيع البوح بها، هي في كون الشارع الذي ينتمي اليه، يتفلت شيئا فشيئا عن سيطرته، وهو مرغم على مسايرة المتطرفين والمسلحين، الذين تمردوا على ارادة الجميع عندما بدأوا يحرقون المحال التجارية لأبناء الطائفة العلوية ردا على الاعتداءات التي تتعرض لها مناطقهم من مناصري النظام السوري في جبل محسن.

وقادة تيار المستقبل يدركون ان الاخطار المحدقة ليست في وجود سلاح حزب الله فقط، إنما في هذا التمرد على الضوابط الذي انتشر على شاكلة واسعة في مناطق نفوذهم، وخرج عن السيطرة، ويكاد يهدد بفوضى سعى لها النظام السوري منذ البداية، لتبرير افعاله الجرمية، ولصرف الأنظار عما يجري في سورية.

وقادة حزب الله وحركة أمل، لم يقولوا على طاولة الحوار كل ما يشعرون به من قساوة المرحلة، وربما يكون الطرفان اكثر تعرضا من الآخرين للضغوط والأخطار في آن واحد، فهما مرتبطان بالنظام في سورية، إلا انهما يدركان كون مخاطر الدفاع عن هذا النظام في لبنان لا تقل عن مخاطر سقوطه عليهما، والرئيس يرى الحريص على الاستقرار الداخلي، يدرك اكثر من غيره، ويلات السقوط في براثن الفتنة، وقد عبر عن ذلك بقوله الشهير «اذا كان الحوار حاجة في الماضي فإنه اليوم أصبح ضرورة، ويعرف الطرفان ان الأمر في سورية اصبح لعبة اممية كبرى، وقد يكونان وقودا لها إذا ما اخطأ الحساب.

أما العماد ميشال عون فيبدو انه تهيب دقة الموقف، ولم يقل ما اعتاد ان يقوله من كلام لاذع، وبأسلوب اقرب الى الشعبوية، وقد ادرك ان الحريق سيطول الجميع اذا ما تفاقم.

وحده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قال الشيء الكثير عن وقائع المرحلة السابقة، واعترف بأنه دفع من رصيده السياسي في الماضي خوفا على الاستقرار، وان المرحلة الحالية تحتاج اكثر من السابق لتنازلات وحوار من اجل الاستقرار.

وما يعرفه اقطاب الحوار ولم يقولوه على الطاولة: ان احداث الشمال لن تنتهي، والخوف ان يتفاقم الوضع الى مناطق اخرى، خاصة بعد عمليات الخطف التي جرت لاسيما ان الجيش الذي يبذل جهودا جبارة للحفاظ على الأمن، اصبح بمثابة قوة فصل في بعض المناطق وهذا الأمر في غاية الدقة، لأن الجيش يبقى الضامن الأساسي للاستقرار وهو المؤسسة الأم التي تعبر عن وحدة الدولة وهيبتها.

ليس صحيحا ان احداث طرابلس حصلت من اجل انشاء منطقة عازلة قرب سورية، واقطاب حوار بعبدا جميعا يعرفون ذلك وما يخاف منه هؤلاء ولا يستطيعون قوله، ان هذه الأحداث، وما يرافقها من مشاكل على امتداد الحدود بين لبنان وسورية، انتجت طبقة شعبية واسعة من المتطرفين، ومن كل الفئات، تخرج رويدا رويدا عن طاعة الطبقة السياسية، مما يهدد بتفلت اللعبة من يد العُقّال ويصبح الامر في ايدي المتطرفين، الذين يقودون البلد الى المجهول.  

السابق
هل آن اوان السياحة في قلعة دوبية المجهولة !؟
التالي
نضال شهاب في كتابها (لبنان سياحة لكل الفصول): لإبراز جمال لبنان