هل تنجح موسكو في مؤتمرَيها الإيراني والسوري؟

تسعى موسكو من خلال استضافة مؤتمرين كبيرين حول الملف النووي الإيراني والأزمة السورية إلى أن تتحوّل إلى القطب الرئيسي في قضايا الشرق الأوسط، ولعلها أيضاً من خلال الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس فلاديمير بوتين إلى إسرائيل تريد أيضاً أن تستعيد دوراً محوريّاً في أزمة الشرق الأوسط برمّتها، وأن تعيد الاعتبار لمؤتمر موسكو الذي كان مقرّراً أن يعقد بعد مؤتمر أنابوليس الشهير أواخر عام 2007 والذي عطّلته جملة ظروف آنذاك أبرزها العدوان الإسرائيلي على غزة أواخر 2008.

وإذا كانت واشنطن ودول الغرب محشورة في الملف النووي الإيراني وبالتالي مضطرة إلى المشاركة في مؤتمر موسكو بعد أن اضطرت إلى المشاركة في مؤتمر بغداد في 23 أيار الماضي، فإنها ليست محشورة بالمقدار عينه في مسألة الأزمة السورية لكي تضطر إلى المشاركة في مؤتمر دولي ينعقد في موسكو حول سوريا بعد أسابيع. وتستخدم واشنطن وحلفاؤها مسألة مشاركة إيران في هذا المؤتمر لتبرير عزوفها عن المشاركة فيه، على رغم أنّها تتحدّث ليلاً ونهاراً عن دور كبير لطهران في دعم النظام السوري.

فواشنطن وحلفاؤها، ومعهم بالطبع إسرائيل، يدركون أنّ استمرار النزف السوري هو مصلحة استراتيجية لهم، فهم إذا لم يستطيعوا إسقاط النظام في دمشق فإنّهم على الأقل يسعون إلى الاستمرار في استنزاف سوريا دولة ومجتمعاً وقوات مسلحة عبر دعم المسلّحين بالمال والسلاح والإعلام، ناهيك عن أجهزة الاتّصال التي باتت اسماً حركياً لتزويد المسلّحين في سوريا بالمال والسلاح والإعلام، حسبما أعلنت واشنطن قبل فترة، وحسبما أعلنت باريس في الأمس أيضاً.

وتعتقد موسكو أنّ الطريق الوحيد لحلّ الأزمة السورية يكمن في تطبيق خطة الموفد الأممي كوفي أنان، وهذا التطبيق يحتاج إلى دخول جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية إلى مفاوضات تتحمّل خلالها كلّ هذه الأطراف مسؤوليتها في وقف العنف، إذ لا يجوز، في نظر موسكو، أن يستمرّ الضغط على النظام السوري لكي يلتزم هذه الخطة فيما لا يحصل أيّ التزام لدى الأطراف الأخرى بوقف دعم المسلّحين المنتشرين في غير منطقة سورية، بل وبتزويدهم كميات كبيرة من المال والسلاح.

ولذلك، فإنّ الأنظار تتّجه خصوصاً نحو قدرة موسكو على إنجاح هذا المؤتمر الذي يتردّد أنّ القيادة الروسية تمتلك ما يشبه خريطة طريق متكاملة لمعالجة الأزمة السورية ليست بعيدة عن خطة أنان، لكنّها تزودها آليات عملية للتنفيذ.

ومن هنا، يعتقد محلّلون استراتيجيون أنّ زيارة بوتين المرتقبة لإسرائيل هي إعلان روسي غير مباشر عن أن رأس الأزمة مع إيران ومع سوريا يكمن في القضية الفلسطينية، أو ما يسمّى أزمة الشرق الأوسط، وبالتالي فإنّ أيّ حلّ لهذه الأزمة سينعكس إيجاباً على المسألتين الأخريين، أيّ الأزمة السورية والملف النووي الإيراني، فالجميع يدرك حجم الضغوط الإسرائيلية على عواصم الغرب، وفي مقدّمها واشنطن التي تعيش معركة انتخابات رئاسية حامية، لتبنّي الخيار الإسرائيلي في الحرب على إيران. كذلك، فإنّ الجميع يدرك الدور الإسرائيلي الأقل انكشافاً في تصعيد الأزمة الدموية في سوريا، لأنّ تل أبيب تدرك أنّ العقدة السورية كانت منذ قيام دولة إسرائيل هي العقدة الأصعب في فرض الإرادة الإسرائيلية على المنطقة.

وتستند موسكو في تحرّكها إلى ما تعتبره تغييراً متسارعاً في موازين القوى على صعيد العالم والمنطقة، وهي موازين تشهد تراجعاً في الهيمنة الأميركية والغربية، وتقدّماً في نفوذ موسكو وحلفائها في بكين ودول "البريكس".

غير أن البعض يعتقد أنّ هذا التحول لم يستكمل بعد، وأنّ العالم ما زال في مرحلة انتقالية لا تسمح بانتقال خيوط أزمات منطقة الشرق الأوسط برمتها إلى يد موسكو وحلفائها، وبالتالي فإنّ المؤتمر حول سوريا قد يتأخّر بعض الوقت في انتظار ما ستسفر عنه التطورات الميدانية في أكثر من منطقة سورية، والأمر عينه يكاد ينطبق على أزمة الملف النووي الإيراني الذي لا تستطيع واشنطن المُعلَّقة على أبواب انتخابات رئاسية أن تحسم الأمور في شأنه حرباً أو حلاً.

أمّا أزمة الشرق الأوسط فقد يستغرق حلّها وقتاً أكبر بكثير من الأزمتين السورية والنووية الإيرانية، لكنّ النتائج النهائية للمساعي الروسية ومعها مساعي الصين ودول "البريكس" تنتظر أيضاً تطورات في المنطقة أبرزها بلا شك مصير مصر في ضوء ما تشهده حالياً من ارتباكات وإشكالات ليست الانتخابات الرئاسية المصرية سوى رأس جبل الجليد فيها.

السابق
مصر تنتخب رئيسها .. عسكر ام اخوان ؟
التالي
أصالة تردّ على هجوم ميادة الحناوي