سريعاً إنتهى مفعول الحوار

قرابة الأسبوعين تفصلنا عن جلسة هيئة الحوار الوطني في طبعتها الثالثة إذا صحّ التعبير، فماذا سيحصل في الخامس والعشرين من هذا الشهر، وهو موعد الجلسة الثانية؟
إذا أردنا أن نكون واقعيين، وهو الخيار الأفضل، فإنه علينا أن نُصارح الشعب اللبناني، لأن قلة يصارحونه، بأن لا أعاجيب في الجلسة المقبلة بل المزيد من الإنشاء المعزز بشيء من التفاؤل غير المستند إلى أي واقعية. فالبيان الإنشائي الأول لم يُعطِ مفعولاً لأكثر من أربع وعشرين ساعة، فتبخَّر حبره قبل أن يجف وانهمك الناس في مشاغلهم وهواجسهم وهمومهم بعيداً من إنشائيات طاولة الحوار.

السؤال الذي يطرح نفسه دائماً في مثل هذه الظروف هو:
ما الحكمة من إعطاء جرعات تفاؤل للناس فيما هذا التفاؤل ليس في محله؟
ألا يؤدي هذا الأمر إلى مزيدٍ من الإحباط حين يكتشف الناس أن هذا التفاؤل ليس سوى سراب؟

إن المعالجة الحقيقية لا تكون سوى بالمزيد من الشفافية يمارسها الحكام تجاه شعبهم، وليس بالمزيد من المناورات ودفن الرؤوس في الرمال والإيحاء بأن المشاكل والعقد غير موجودة. ولمن لا يقتنع بهذا الكلام فإننا نُحيله على الوقائع على الأرض، فماذا يتبيَّن له:
مَن عاد يُفكِّر بالقضايا المعيشية؟
لا يعود الناس يسألون عن أحوالهم المعيشية في الأزمات، فحين يكون الناس في خطر ينسون الرغيف، أليسوا في خطر منذ اندلاع التوترات إثر توقيف شادي المولوي في طرابلس؟
لنتذكَّر كيف كان الوضع:
كانت الخناقة قائمة حول ربطة الخبز، أن تكون بألف وخمسمئة ليرة أو بألفين، وبقينا قرابة الشهر ندور في حلقة مفرغة إلى أن جاء موسم الدواليب المشتعلة، فلم يعد أحدٌ يُفكِر بالخبز.
قبل اندلاع التوترات كان الهاجس أن تصل بواخر توليد الكهرباء، وكان النزاع قائماً على اقتسام كعكة القوميسيون، جاءت التوترات فنسي الناس الكهرباء وعادوا إلى القناعة بالمولِّد لأنهم أدركوا بحدسهم أن بواخر التوليد لم تأتِ في الإستقرار فكيف ستأتي في ظل التوترات؟

هذا الشعب اللبناني العظيم، ينسون قضاياه الحياتية بالضغط عليه في قضايا الإستقرار والأمن، فهُم يعرفون أنه حين تتوتر الأوضاع لا يعود اللبناني يهتم بشيء إلا بسلامته، فهل هناك تواطؤ موضوعي بين مَن يُوَتِّرون الأوضاع وبين الحكومة، باعتبار أن الطرفين مستفيدان من التوتر لأنه يُنسي الناس مطالباتهم؟
إنها خطة مفبركة وقد تكون جزءاً من الذكاء السلبي والمدمِّر فيما البلاد بحاجةٍ إلى دهاء إيجابي يبتكر الحلول والمعالجات ولا يُبعِدها بحجة التوترات الأمنية.  

السابق
سلاح المقاومة مقدّس!
التالي
واشنطن طلبت من عباس تأجيل خيار الأمم المتحدة الى ما بعد انتخاباتها