إرهاب الإسلام السياسي

أكثر ما يميز الإسلام السياسي عن بقية الفرق أنه يرغّب من جانب، ويهدد ويرعب ويُفزع ويُخوّف من جانب ثانٍ. فمن جانب يؤكد على ان كلامه خير مطلق وجنة وفوز في الدنيا قبل الاخرة، ومن جانب ثان تراه يتوعد الناس بالويل والثبور وجهنم والشر المطلق. يعني ثنائية رهيبة، ثنائية غير قابلة للمساومة، ثنائية لا تقبل التقسيم على ثلاثة او اكثر. فإما إسلامي صرف، وإما كفر وزندقة وشر مطلق.
فهذا هو كلامهم مع كل حدث وفي كل ظهور يتزامن مع وجود رمز او حدث وطني كالنشيد او العلم او احتفال. فتبرير أي تصرف فج سهل عندهم، بأنه لأجل الدين وقيمه! فالطبطبائي مثلا قرن الدين والرسول مباشرة باستهزائه بالخرجة بقوله «كرامة الرسول اهم من خرجة» (تصور ماذا كان سيحدث لو من قال هذا الكلام سيد عدنان او القلاف!)، او تعظيم الله والرسول والإسلام اولى من تعظيم العلم عند هايف في حادثة النشيد الوطني. الخلاصة ان الموضوع عندهم اما الله سبحانه وجنوده، وإما الشيطان الرجيم وجنوده!

اقصد أن المشكلة إما ابيض وإما اسود! فإما الدولة مدنية علمانية لا تتبع كلام الله ورسوله وبالتالي كافرة، وإما انها كذلك ويجب الالتزام بقوانينها واحترام شعبها ورموزها. طيب ان الموضوع خيار بين أمرين، وبما ان العلم الكويتي نار، فعلى ماذا كنتم تستشكلون حينما وضعت الاقلية اعلامها السوداء في قاعة عبدالله السالم طالما ان الامر كله نار في نار؟!
طيب ان كان الامر كذلك، وان كانت الدولة علمانية كافرة، وان كان الدستور وضعيا ومخالفا لله ولرسوله، ألم يكن بحسب «الحق» عدم المشاركة لأنه عذاب الآخرة؟! ان كان العلم والرموز المدنية والدولة بأكملها باطلا في باطل، فعلام دخلتم المجلس بالاساس؟

لنتحدث عالمكشوف. نحن هنا نجاور دولتين ايديولوجيتين وهما المملكة السعودية والجمهورية الايرانية. بغض النظر عن صحة او خطأ النظام السياسي الإسلامي لديهما، الشعوب هناك اختارت انظمتها او وجدت نفسها كذلك. ففي المملكة عُقدت البيعة للملك والعلماء السلف باركوا الامر، فمثلا الشيخ حماد الانصاري يقول: «الدولة السعودية نشرت العقيدة السلفية، عقيدة السلف الصالح بعد انقطاعها»، والشيخ ابن باز «الدولة عقيدتها السلفية العظمى»، وابن عثيمين «الحكومة تحكم بالشريعة» ومقبل الوادعي «الحكومة تحكم بالشريعة». فكلهم قالوا ان المملكة نشرت الفكر السلفي، ولم يقل احدهم انها تأسست على «النظام السلفي»، ومع ذلك لم يرد الاستشكال عليها. الايرانيون اقاموا دولتهم كذلك انطلاقا من عقيدتهم وبطاعة النائب المعصوم أو النائب عنه، ووضعوا دستورهم واختاروا نظامهم على هذا الاساس.

الا انتم هنا في الكويت، تمارسون العمل السياسي المدني، ولا تعترفون به وتتهمونه بالكفر والزندقة! فيا ليت يستفتي أحدنا النائب محمد هايف ويسأله: هل وجود الكويت شرعي؟
  

السابق
مناورات اسرائيلية مقابل مارون الراس ويارون وقرى بنت جبيل الحدودية
التالي
الاخبار: أسلحة إلى المسلحين السوريين من لبنان