لماذا بلقنة سوريا؟

التنافس صعب جدا مع وزراء خارجية دول كبرى قرروا أن يكونوا مجرد معلقين صحافيين، وباتوا يطلقون آراء في الأزمة السورية لا تغني سوى الغموض في الموقف الدولي، ولا تزيده إلا تشوشا، مثل المقالات الصحافية التي تعجز عن تفسير الكثير مما يجري في سوريا من عنف وسياسة.
في التعليقات الاخيرة التي صدرت عن كبار الديبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين فكرة جديدة باتت تشكل محور النقاش الدولي وتثير الخلاف حينا والاتفاق حينا بين أولئك المسؤولين الذين اختاروا الدخول في تلك المنافسة غير الشريفة مع الصحافيين وكتاب الرأي، مفادها أن الأزمة السورية تشبه أزمة البلقان في تسعينيات القرن الماضي أكثر مما تشبه أزمة ليبيا في صيف العام الماضي.

الفكرة التي أطلقتها ثم تراجعت عنها وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون وأيدها وزير الخارجية البريطانية وليم هيغ وانضم اليها الأمين العام لحلف شمالي الاطلسي اندرس فوغ راسموسن وعارضها وزير خارجية ألمانيا فيدو فسترفيله وغيره من وزراء أوروبا الغربية، كانت مصحوبة على الدوام بالتأكيد أن الغرب لم ولن يخطط للتدخل العسكري في سوريا، وسيظل يسعى مع روسيا لإنهاء تلك الأزمة.

التدقيق في تلك الآراء التي عبّر عنها كبار الديبلوماسية الغربية لا يبدد الحيرة، ولا يخدم المنافسة: هل يقصد هؤلاء الوزراء التعبير عن الأسف لان المجتمع الدولي يكرر الخطأ الذي ارتكبه في البلقان عندما سمح بسقوط ربع مليون قتيل في يوغوسلافيا السابقة قبل أن يتدخل عسكريا وينهي تلك الحروب الاهلية، أم أنهم يحذرون الكرملين من أنه يكرر الخطأ الذي ارتكبه في البلقان عندما انحاز لأبناء عربيته القومية والدينية لكنه اضطر في نهاية الحرب الى الخروج من صربيا نفسها المؤهلة لعضوية الاتحاد الاوروبي، أكثر مما هي مرشحة للالتحاق بالأفق الروسي البعيد، أم أنهم يقصدون التلميح أو ربما الترويج لفكرة تقسيم سوريا باعتبارها المخرج الوحيد من حربها الاهلية الراهنة؟

لا يمكن أن يكون قصد هؤلاء الوزراء الكبار هو الإيحاء بأن الحرب الاهلية السورية ستتسع الى دول الجوار، وستشعل حريقا إقليميا هائلا على غرار ما يتوقع بعض المعلقين الصحافيين المتطيرين. حرب البلقان الاخيرة لا تخدم هذه النظرية لأنها لم تغادر الحدود اليوغوسلافية أبدا ولم تؤثر على أي دولة مجاورة ولم تتسبب بحرب عالمية جديدة على غرار ما حصل في مطلع القرن الماضي، بل هي انتهت فقط الى هزيمة روسية إضافية.
لعل لدى هؤلاء الوزراء سببا خفيا لإجراء مثل المقارنة المفاجئة بين حرب سوريا وحرب البلقان.. المهم انهم لم يقارنوها مع غزو العراق أو أفغانستان أو مع انهيار الصومال أو حتى مع مذابح بوروندي.
  

السابق
السفير: الأمم المتحدة تعلن الحرب الأهلية وواشنطن تلوّح بسحب المراقبين
التالي
فوضى صباحية على مستديرة البصّ في صور