الحوار يقرّر.. سوريا غير مهتمة

في الكلمة التي افتتح بها الرئيس ميشال سليمان الجولة الجديدة من "الحوار الوطني"، ثمة لمحات تستحق التسجيل. من ذلك قوله ان الوجود السوري "كان، شئنا ام ابينا، مساعدا في الاستحقاقات بشكل ايجابي احيانا او سلبي احيانا أخرى(…) وكان يساعد في تأليف الحكومة والتعيينات ووضع الموازنة والامن وغيرها". وأشار ايضا الى قرارات سابقة توصل اليها الحوار ولم تنفذ "مثل سحب سلاح الفلسطينيين، لأسباب متعددة ومتداخلة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو سوري مرتبط بالداخلي"، او ترسيم الحدود الذي لم ينفذ "بسبب سوري ايضا، وليس لبنانياً فقط".
كما انه تطرق الى الخلاف على المحكمة الدولية "وقد تم التوصل الى اتفا ق س – س في شأنه وعملنا من اجل ترسيخه لتحقيق المصالحة لكنه توقف".

يندر ان يتحدث رئيس لبناني بهذه الصراحة عن سوريا ودورها "الايجابي – السلبي"، او عدم تنفيذها ما يتوافق عليه اللبنانيون، او حتى عن "السوري المرتبط بالداخلي". لعل في ذلك دلالة الى ان الاحوال المائلة للنظام السوري باتت تسمح بتقويم سياساته بلهجة نقدية لا تتردد في تحميله المسؤولية، مع اسقاطات ذلك على حلفائه المحليين الذين يجلس بعض منهم الى طاولة الحوار. صحيح ان اللبنانيين يعرفون، بفضل صحافتهم واعلامهم، ان النظام السوري كان يشكل حكوماتهم ويتدخل في تعيينات الموظفين، الا ان ورود ذلك على لسان رئيس الجمهورية يعادل قول الرئيس الراحل شارل حلو لسياسيين كانوا في زيارته "أهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان"، بل يتجاوزه.

طبعا، لم تبلغ صراحة سليمان الحكومة الحالية والانقلاب الذي سبقها ولماذا تأخرت ولادتها ومن ألفها في النهاية، فهو دعا الى الحوار ويريد انجاحه، ويمكن القول ان "اعلان بعبدا" حاول وضع المبادئ العامة لما هو مطلوب في المرحلة المقبلة منعا لامتداد الازمة السورية الى لبنان (ضبط الخطاب السياسي والاعلامي، تحييد لبنان عن سياسة المحاور، ضبط الحدود، منع تهريب الاسلحة، عدم السماح باقامة منطقة عازلة…). هذه هي اذاً وصفة "النأي بالنفس"، لكن مع كفالة "الحق في التضامن الانساني والتعبير السياسي والاعلامي" لانصار النظام السوري معه، ولخصومه مع الانتفاضة والمعارضة.

حسن، قد تبدو هذه صيغة منصفة، لكنها ليست كذلك مع الانتهاكات التي صارت معلومة وتشارك فيها اجهزة او عناصر "غير منضبطة" منها وفقا لتعليمات سورية. ولم يعد خافيا ان ما تسبب بتحذير الخليجيين من المجيء كان ذلك الاعتقال التعسفي لرجل الاعمال القطري الذي كان خضع لتوه لعملية جراحية تستوجب بقاءه في غرفة معقمة طبيا. ثم ان هذه الصيغة لا تصنع سياسة عملية. فالبيئة العامة ليست حيادية لتستجيب الدعوات الى التحييد. والمشكلة في السلاح غير الشرعي سواء كان لدى "حزب الله" او الدكاكين التي سلحها او تسلحت بمعرفته. فمعظم هذا السلاح موجود لدى من يأتمر من النظام السوري، وهذا النظام هو الذي يحدد اذا كانت لديه مصلحة في تصدير أزمته أم لا.  

السابق
استقالة بشارة بكركي وقرنة شهوان
التالي
مرشح توافقي