الحوار والدوار على حافة الهاوية

لا مجال لتجاهل التناقض بين صورتين في المشهد اللبناني: صورة السباق الجماعي على مديح الحوار كضرورة في كل الفصول. وصورة الرقص الانفرادي والانقسامي في متاهات الدوار كواقع. ولا أحد يعرف متى ننتقل من مديح الحوار الى ممارسة الحوار الجدي للوصول بالارادة السياسية والوطنية الى حلول للأزمات أو أقله الى ادارتها بأقل قدر من الخسائر. فالمسافة بدت بعيدة في جلسة الحوار بين المونولوغ الذي أداه كل مشارك تقريباً وبين التسليم بالبنود المهمة في الورقة التي وضعها الرئيس ميشال سليمان على الطاولة وصارت إعلان بعبدا. وهي بنود يحتاج كل واحد فيها الى ديالوغ لتطبيقه.

ذلك أن الصورة الواقعية التي رسمها رئيس الجمهورية وبعض المشاركين للمخاطر على لبنان توحي أننا لم نعد على مفترق طرق بل صرنا على حافة الهاوية. فلو كنا على مفترق طرق لما عجزنا عن اختيار طريق للسير فيه من بين خيارات متعددة. أما على حافة الهاوية، فإن الخيار محدد: الاندفاع في الهاوية بقوة الأشياء والرهانات الخاطئة أو البقاء حيث نحن لتضربنا عواصف الأحداث من حولنا. حتى العودة الى الوراء، فإنها مجرد عودة الى عمق الأزمات، على افتراض أنها ممكنة.
واذا كانت الأحداث في سوريا والحوادث الأمنية الخطرة في لبنان هي التي أخذت الأولوية، فان النظرة اليها بقيت في حدود السياسة الوقائية. وليس الاجماع على سياسة النأي بالنفس سوى غلاف للخلاف على الترجمة العملية لها. ومن الوهم الاستمرار في سياسة الانتظار لما تؤول اليه الأحداث في سوريا. فهي طويلة ولها أكثر من سيناريو. والنأي بالنفس عنها في المرحلة الحالية شيء، وتجاهل امتدادها القسري الى لبنان شيء آخر. والمطلوب رؤية مشتركة لمواجهة كل السيناريوهات المحتملة.
صحيح ان مديح النفس في أوساط الحكومة قائم على ما تسمّيه انقاذ لبنان من فتنة. لكن الصحيح أيضاً ان الانقاذ كان من فتنة ليس هناك قرار خارجي كبير بالدفع اليها وقرار داخلي بالاندفاع فيها. ولا أحد يعرف كيف ننقذ البلد من فتنة يمكن أن تحدث حين تتطور الأحداث. وهي فتنة نتبادل الاتهامات في شأن من يعمل لها، مع انه لا فتنة من طرف واحد. فكيف اذا كانت سياسة الانخراط في المحاور لا الابتعاد عنها، هي السائدة؟ وكيف اذا كان لبنان ينحل الى مكوناته الأهلية في مرحلة ما قبل الدولة؟
الواقع ان أقصى ما في الوعود هو وقف التدهور، وليس التحرّك الى أمام. والسؤال هو: من يضمن حتى النجاح في وقف التدهور؟   

السابق
حلوا عن الشعب السوري
التالي
حوار من فوق؟