الحوار حرب سلميّة على الخلاف

ظاهرتان سلبيتان وماثلتان في جوانب من العمل السياسي الراهن، هما الإستخفاف لدى طرفٍ بالأخطار القائمة، يقابله التعقيد والتعجيز لمبادرات ومساعي معالجة هذه الأخطار، ففي المحصّلة أن النتيجة تساوي صفراً في الحسابات السياسية لطرفي الإستخفاف والتعقيد، كونهما مأخوذين بغير التفكير المسؤول والتحليل الموضوعي لأسباب الأحداث الجارية من النواحي السياسية والدبلوماسية على الصعيد الخارجي، والنواحي العسكرية والأمنية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية على الصعيد الداخلي، وهذا من عوامل إستمرار الإخفاق في معالج التنازع السياسي بين الأفرقاء، وما يرافق ذلك من نتائج تفرزها نظرية التهوين من الأخطار الماثلة وعكسها نظرية التعطيل والتعقيد لمحاولات التفاهم حول الخروج من أنفاق هذا التنازع الغارق في مخطط إنتزاع سلطة الدولة، وإقتسام مغانم إضعافها، وتقسيم الشعب الى مجموعات تتحارب بالخوف المذهبي والتخويف الطائفي والإنغلاق المناطقي، وصولاً الى عزل الدولة عن مواطنيها، وعزل المواطنين عن دولتهم، وما ينتج عن ذلك من تداعيات أمنية وعسكرية واقتصادية واجتماعية لا أحد يكون في معزل عن مضارها القريبة والبعيدة، وحيال فشل جماعة الاستخفاف، وجماعة التعطيل والتعقيد، يصبح المخرج السياسي والميثاقي من ذلك هو إقبال الجميع على الحوار الذي حدّد موعده رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في الحادي عشر من الجاري في القصر الجمهوري في بعبدا، عوضاً عن التحارب والظنون والتقاصف الإعلامي والسياسي، وبعيداً عن إستباق جلسات الحوار بطرح الشروط والشروط المضادة، وعن المزايدات في تسجيل المواقف ذات النزوع المذهبي والطائفي والمناطقي الضيّق، كي يسلك الجميع الطريق الى الحوار تحت عناوين: الإنفراج هو البديل عن الانفجار، والمصارحة هي البديل عن «الباطنية»، والمصافحة هي البديل عن القطيعة والمقاطعة, والمصلحة اللبنانية الواحدة هي البديل عن «المحاصصة»، والتحاور هو البديل عن التحارب، والدولة هي البديل عن الدويلات، والمراهنة على نجاح الحوار هي البديل عن الإرتهان لمتغيرات إقليمية ودولية تعطّل الحوار لصالح هذا الفريق أو ذاك في الإرتهان لتلك المتغيرات على حساب لبنان اليوم وغداً وبعد غد، الأمر الذي يؤكد أن الأخذ في هذه العناوين يُشكل جوهراً للحوار، وينقذ الجميع من الدوران حول الخلاف ويقتربون من معالجة الخلاف بروح الإختلاف، وصولاً الى الإتفاق على الحلول الكاملة لأسباب الخلافات، ولذا تُشكل الدعوة الرئاسية الى الحوار خطوة إستباقية للحؤول دون الوقوع في المزيد من الإنزلاق والانقسام والإرتجاج المتعدّد الاتجاهات السلبية والخطيرة على الجميع، وكذلك للحؤول دون تصنيف لبنان بأنه «جمهورية الموز» في العالم العربي، والى ساحة للتصفيات السياسية والعربقيّة والاقليمية والدولية والاغتيالات فوق أرضه، ومن هذا يصبح الحوار والمسارعة العامة الى المشاركة فيه من كل الأطراف هو جسر للعبور والإنتقال من وقائع الحرب على الحوار، إلى وقائع حرب الحوار السلمية على الخلاف.  

السابق
ما له وما عليه!
التالي
الحوار اللبناني والغموض الإقليمي