النهار: الحوار يستعيد الانقسام على معضلة السلاح وإعلان بعبدا ميثاق التزامات لتحييد لبنان

لم تتأخر الوقائع المتسربة عن أولى جلسات الحوار المستعاد في قصر بعبدا أمس منذ توقفها في 4 تشرين الثاني 2010، في كشف الفارق الواسع بين "إعلان بعبدا" بشكله ومضمونه الايجابيين وحقيقة المناقشات والمواقف والمداخلات التي عكست تعمق الانقسام بين فريقي 14 و8 آذار خصوصا. واذا كان البيان شكّل اعلان نيات مبدئيا لمجموعة التزامات من شأنها أن ترضي الرأي العام المحلي والمجتمع الدولي من حيث التوجهات السلمية والمناهضة لانزلاق لبنان الى مرحلة من عدم الاستقرار، فان العقدة الدائمة المتصلة بصدقية الالتزامات وترجمتها التي رافقت جولات الحوار السابقة انعكست تلقائيا على الوقائع غير المعلنة للجلسة. ومع ذلك حظي راعي الحوار رئيس الجمهورية ميشال سليمان بدعم المتحاورين على اختلافهم ومحضوه الفسحة اللازمة للمضي في خطوته فكان تحديد 25 حزيران موعدا سريعا للجلسة المقبلة بمثابة اعلان حسن نيات آخر لابقاء زخم هذه العملية وتوفير الطابع الجدي لها.
وجلسة الساعات الاربع التي انعقدت في غياب الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ووزير المال محمد الصفدي، افتتحت بوقوف المشاركين دقيقة صمت "إجلالا لروح الراحل الكبير غسان تويني العضو السابق في هيئة الحوار" كما جاء في البيان الختامي للمتحاورين.

وأظهرت الوقائع المتوافرة لدينا من الجهات المختلفة التي شاركت في الجلسة، ان المناقشات اتسمت بسخونة عالية في بعض محطاتها على رغم الطابع الايجابي الذي ساد رغبة الافرقاء في إحداث نقلة اطمئنان واشاعة أجواء مريحة للمرحلة المقبلة. وأثار موضوع السلاح والنقاش فيه سجالات واتهامات لم تخل من حدة، وخصوصا بين الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد. لكن مجمل النقاش أدى الى تبديل الاولويات في جلسة البارحة، إذ تقدم البند الطارئ المتعلق بتفشي السلاح في المدن والبلدات في ضوء تدهور الوضع الامني في الشمال وعلى الحدود اللبنانية – السورية على ملف سلاح "حزب الله" والسلاح الفلسطيني الذي أرجئ الى الجلسة المقبلة. وبدا واضحا ان انعكاسات الازمة السورية على لبنان شكلت المحور الاساسي الذي انعقدت في ظله الجلسة الحوارية، إذ أرخى هذا الموضوع بظلاله الثقيلة على المداخلات والمواقف السياسية من مجمل النقاط التي أثيرت. وإذ دافعت القوى المكونة للحكومة عن الاداء الحكومي حيال التدهور السياسي والامني والاقتصادي، حمّلت قوى المعارضة الحكومة مسؤولية "الويلات" التي أصابت البلاد في عهدها. وأمسك رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط العصا من وسطها، فانتقد من جهة الاتهامات التي وجهت الى الحكومة "بالتخوين"، لافتاً إلى ان مشاركته في الحكومة كانت لمنع الفتنة، لكنه دافع في المقابل عن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في مواجهة هجمات شنت عليها.

وعرض الرئيس سليمان في مداخلة مسهبة استمرت زهاء 40 دقيقة الدوافع الملحّة لدعوته الى معاودة أعمال هيئة الحوار، وضمّنها سردا للوقائع منذ سقوط الحكومة السابقة الى الظروف الحالية. وقال: "لقد اقتربنا من حافة الخطر والانزلاق، والوضع مخيف والمجتمع الدولي متوجس والدول العربية قلقة وهي حذرت رعاياها"، ولفت إلى "الخوف الكبير لدى اللبنانيين المقيمين والمغتربين وتعرض الاقتصاد لانقباض كبير والاستباحة لكرامة المؤسسات والاتهام للمؤسسات الامنية، ولا سيما منها الجيش والقضاء". وشدد على ضرورة الحوار "من أجل وقف التدهور ومنع انعكاس الاحداث السورية على لبنان والحؤول دون تهريب السلاح أو المقاتلين الى سوريا واستيعاب النازحين السوريين اللاجئين الى لبنان"، مشيرا ايضا الى ضرورة تحضير الاجواء لزيارة البابا بينيديكتوس السادس عشر للبنان في ايلول المقبل.

وعرض مجموعة أفكار مقترحاً تضمينها البيان الختامي للجلسة كبيان اطار يسمى "اعلان بعبدا".
ثم كانت مداخلة لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي انتقد حملة المعارضة على حكومته وعلى خيارها "النأي بالنفس"، واعتبر "ان من السهولة اطلاق الشعارات وتدبيج المذكرات والقاء تبعات التقصير على الغير"، لكنه تعهد التزام الحكومة ترجمة كل ما يتم التوافق عليه على طاولة الحوار. وتساءل "ما هو البديل من الحوار والتفاهم؟ هل بالسلاح نصل الى الحلول المرتجاة وقد جربناه ولم يعط نتيجة سوى تدمير بلدنا… كفانا جلداً لذاتنا ونحراً متعمداً لأسس قوتنا وسر صمودنا".
وفي اطار المداخلات الاخرى للمشاركين، برزت مداخلة الرئيس السنيورة الذي اثار موضوع "سلاح المقاومة الذي قام بتفريخ اسلحة اخرى حوله وبدأ يظهر سلاح آخر بسببه"، مشدداً على اولوية "وضع حل لهذا الامر بشكل صريح وجدي". وقال ان سياسة النأي بالنفس "لا تجوز امام اتهامات توجَّه الى لبنان بايواء الارهاب وامام قتل المواطنين واختراق الحدود والسيادة".

وفي المقابل، اتهم النائب محمد رعد "تيار المستقبل" بتهريب السلاح الى سوريا والسعي الى انشاء منطقة عازلة، كما اتهمه بالتهجم على الجيش ومنعه من الانتشار في الشمال. فرد السنيورة بنفي هذه الاتهامات، قائلا: "اننا ضد أي سلاح خارج اطار الشرعية ونحن ضد تهريب السلاح الى سوريا والى لبنان ايضا". كما حصلت سجالات اخرى بين السنيورة ورعد حول حرب 2006، وقدم الرئيس امين الجميل طرحاً عن حياد لبنان الايجابي أيده فيه الرئيس سليمان والنائب سليمان فرنجيه. ووافق المجتمعون على مسوّدة البيان التي اعدها الرئيس سليمان وموعد الجلسة المقبلة في 25 حزيران على ان يبدأ النقاش فيها بالاستراتيجية الدفاعية.

وتضمن البيان الختامي 17 بنداً ابرزها "التزام نهج الحوار والتهدئة والعمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الاهلي والحؤول دون اللجوء الى العنف والانزلاق بالبلاد الى الفتنة ودعم الجيش وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الامنية الشرعية من التعامل مع الحالات الامنية الطارئة، وتأكيد ضرورة التزام ميثاق الشرف الذي سبق ان صدر عن هيئة الحوار لضبط التخاطب السياسي والاعلامي، والتمسك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ بنوده كاملة، وتحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية، وضبط الاوضاع على الحدود اللبنانية السورية وعدم السماح باقامة منطقة عازلة في لبنان، والتزام القرارات الدولية". وتقرر ابلاغ نسخة عن البيان الى جامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة.  

السابق
-اللواء: مَحضَر المداخلات وتعكير إعلامي على طاولة الحوار العائدة في 25 الجاري
التالي
خطف على الهوية!