السفير: إعـلان بعبـدا: كلهم تحـت سـقـف النـأي بالنفـس

في الشكل، حقق ميشال سليمان، إنجازا بإعادة تلميع صورة الحوار، بعد سنتين من حفظها في الأرشيف، ولو غاب عنها، أمس، سعد الحريري وسمير جعجع. وفي الشكل، جلس نجيب ميقاتي، إلى يسار ميشال سليمان، بصفته رئيس حكومة كل لبنان وليس حكومة «اللون الواحد»، وفي الشكل أيضا، كادت أروقة القصر الجمهوري و«قاعة 22 تشرين الثاني»، تفيض بالابتسامات الطافحة لممثلي «8 آذار». وفي المقابل، كانت وجوه «14 آذار» مكفهرة، وإذا أطلقت ضحكة، تبين أنها مصطنعة.
في المضمون، استغل ميشال سليمان «اللحظة الشمالية» الساخنة، لا بل كل التداعيات اللبنانية لنيران الأزمة السورية، من أجل تثبيت «جنرال الحوار» أولا، وسياسة «النأي بالنفس» ثانيا، وجدول أعمال، حمال أوجه كثيرة، ثالثا، والأهم من ذلك، اصدار «اعلان بعبدا» الذي بدا، منسجما مع البرقية الملكية السعودية، التي شكلت، أفضل ذريعة لحشر أهل الحوار في «قاعة الاستقلال» مجددا.
في المضمون، لبت «8 آذار» الدعوة، متجاوزة كل مطالبها وشروطها السابقة. لم تكن واهمة لا في السابق، ولا أمس، مثلها مثل صاحب مبادرة الحوار، أننا نعيش لحظة التسليم الطوعي للسلاح أو الصياغة العاجلة للاستراتيجية الدفاعية. لبت هذه القوى الدعوة، متجاوزة «المأزق السوري» الذي يعيرها به خصومها.

في المضمون، كان ينبغي لمن أبرزوا مطلب حكومات الحياد والتكنوقراط، أو أقله من تبنوا بيان الاجتماع الموسع الأخير لقوى 14 آذار، أن يكونوا هم الهجوميين، لكن اللغة ومضمون المداخلات، وأيضا الاستعدادات، بينت كلها مجتمعة، أن هناك فريقا كسب بالنقاط على الفريق الآخر.. وفي المحصلة، كان الجيش، الأكثر إنجازا، من خلال المظلة السياسية التي جعلته «الضامن للسلم الأهلي والمجسد للوحدة الوطنية».
«إعلان بعبدا»: المبادىْ الـ17
في الحادي عشر من حزيران، لم ينجح رئيس الجمهورية ميشال سليمان في لمّ شمل أطراف طاولة الحوار، فقط، بل نجح في مغادرة عرف البيان الإنشائي التقليدي، إلى ما سماه «إعلان بعبدا»، مع توفير الحضانة العربية والدولية له، عبر إرسال نسخ منه الى جامعة الدول العربية والامم المتحدة كشاهدين على هذا الإعلان السياسي المؤقت.
ولأن الأزمة السياسية الداخلية، أعمق من أن تقدر جولة حوارية واحدة، على احتوائها، فإن المبادئ الـ 17 التي تضمنها «اعلان بعبدا» بدت طموحة بامتياز، خاصة أن العبرة تبقى في توفر الإرادة السياسية للالتزام الجدي بها والتقيد بحذافيرها، وعدم الاكتفاء باعتبارها كما في المرات السابقة مجرد التزامات ورقية، مع وقف التنفيذ.
وعكست مجريات الحوار، بنسخته الرابعة، أن كل الأطراف، متخوفة من تداعيات الأزمة السورية وامتداد

نارها الى الجسم اللبناني، ومن هنا جاء «اعلان بعبدا» ليشدد على السلم الأهلي ويحذر من اللجوء الى السلاح والانزلاق بالبلاد الى الفتنة، وهذا يقتضي، كما اكد الاعلان نفسه، «ابتعاد جميع القوى السياسية وقادة الفكر عن حدة الخطاب السياسي والإعلامي وعن كل ما يثير الخلافات والتشنج والتحريض الطائفي والمذهبي».
ووفر اعلان بعبدا غطاء واضحا للجيش اللبناني بالتشديد على دوره كمؤسسة ضامنة للسلم الاهلي ومجسدة للوحدة الوطنية. مقرونا بتأكيد التمسك باتفاق الطائف، مع اعلان اتفاق اطراف الحوار على تحييد لبنان عن سياسة المحاور الاقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والازمات الاقليمية، بالاضافة الى تأكيد الحرص على ضبط الاوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان او استعمال لبنان مقرا او ممرا او منطلقا لتهريب السلاح والمسلحين، فضلا عن تأكيد الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، بما فيها القرار 1701.
مداخلات المتحاورين
وعلى وقع هذا الاعلان، جاءت مواقف الاطراف، فالأساس بالنسبة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري هو الوحدة الوطنية، ومن دونها لا ينفع البحث في أي موضوع مهما كان مهماً. أما أولوية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فكانت التأكيد ان لا بديل للحوار، كما لسياسة النأي بالنفس التي تنتهجها حكومته حفاظا على البلد كما قال، ولاقاه بشكل لافت للانتباه النائب وليد جنبلاط الذي بدا في مداخلته متراجعا عن الحدة التي اتسمت بها مقاربته للأزمة السورية في الفترة الاخيرة، حيث نصح بالسعي الى عدم التشظي بالأزمة السورية مطلقا شعار «النأي بالنفس»، وقال «هذا أوانه وزمانه ومكانه».
والتقى رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة مع ميقاتي وجنبلاط، متبنيا سياسة «النأي بالنفس»، باعتبارها الجملة السحرية التي نحن بحاجة اليها الآن. وتمايز رئيس «حزب الكتائب» امين الجميل عن «قوى 14 آذار» برفع لواء الحياد مجددا، فهنا يكمن الحل، كما في عدم إقحام لبنان في الأزمة السورية.

وكادت الجولة الحوارية تخرج، بلا أية «فاولات»، لولا «السجال الناعم» بين الرئيس السنيورة ورئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، بعدما استرجع السنيورة من الارشيف موضوع السلاح وما سماه الانقلاب على الاتفاقات وموضوع التخوين، مستنتجا ذلك من كلام للنائب رعد في الآونة الاخيرة، خاتما ذلك بتحديد سبيل وحيد للخروج من الأزمة، وذلك عبر حكومة حيادية تقوم على أنقاض حكومة ميقاتي المسؤولة عن كل الإخفاقات والأزمات.
وسارع رعد للرد على السنيورة، منطلقا من سياسة التحريض التي يمارسها تيار المستقبل لمجرد انه خرج من السلطة، والتي لم تفرّخ سلاحا فحسب بل فرّخت بواخر، غامزاً بذلك من قناة «لطف الله 2» وقال رعد: «يجب ألا نكذب كما يجب ألا نحرّض، تتكلمون عن الانقلاب على الاتفاقات، فقولوا لي أي بند من البنود التي جرى التوافق عليها ولم تنفذ إلا وكنتم أنتم طرفا مسؤولا عن عدم التنفيذ».

وحاول السنيورة تعديل عدد من فقرات «الإعلان»، ولا سيما عبر إصراره على عبارة «تعميق البحث حول السبل الكفيلة بتحقيق هدف تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء الى العنف» (البند 2). كما أصر على حذف فقرة كاملة من البند الحادي عشر تضمنت الآتي: «التمسك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده، على أن ينظر في كل اقتراح في التطوير أو التعديل أو التفسير بالتوافق واستنادا الى الآليات الدستورية بعد التهيئة لذلك داخل الأطر المتعارف عليها للحوار». وأصر السنيورة على جعلها تقتصر على: «التمسك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده».
يذكر انه تحددت الجولة المقبلة للحوار في الخامس والعشرين من حزيران الجاري .
  

السابق
خطف على الهوية!
التالي
نتنياهو يتعهد تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية