استقرار متوتر تحت خيمة الطائف

فشل عملية إسقاط نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، ليس مسألة عراقية بحتة. لم يبقَ المالكي، لأنه يتمتع بالشعبية، ولا لأن خصومه ضعفاء. بقي المالكي، لأنه جزء من عملية واسعة تشمل المنطقة، والتوازنات الإقليمية والأميركية. ما زال المالكي محافظاً على وجوده في نقطة تقاطع أميركية ـ إيرانية. يجب الاعتراف له بحسن حساباته ودقتها في زمن صعب، يحمل كل المخاضات الكبرى.
الجميع، من قوى عراقية وإقليمية، استوعبوا الأسباب الموجبة لبقاء المالكي حتى ولو لم يعد يتمتع بالتأييد الذي حوله في مرحلة معينة الى مشروع "صدام حسين صغير". الرئيس باراك أوباما يعرف جيداً أن كل "الرقص" في منطقة الشرق الأوسط يتم فوق "صفيح ساخن"، رغم ذلك يريد بقوة أن يبقى "الرقص" على "وقع موسيقى إعادة انتخابه".

لا يريد حدثاً ضخماً، يعكر صفو حملته الانتخابية، من مصلحته الأساسية والضرورية والواجبة، أن يقدّم الوضع في العراق بعد نجاح خطة انسحاب القوات الأميركية بأنه "مستقر". لا داعي إذن لدخول العراق في مرحلة سياسية نارية بسبب البحث عن صيغة جديدة لحكومة يرأسها عراقي يجب أن تتوافق عليه واشنطن وطهران أولاً وأن يكون ملماً بعمق ودقة "الخطوط الحمراء" التي تحيط مواقفه. العراق ليس لبنان لكي يعفي نفسه من المسؤولية، إذا أعلن أنه ينأى بنفسه عن الملف السوري. في الوقت نفسه يجب أن يعرف المرشح كما المالكي كيف "يلعب" بحيث يرضي الإيرانيين ولا يغضب الأميركيين في كل ما يتعلق بالملف السوري.

بقاء المالكي في رئاسة الحكومة العراقية، يعني من خلال موقع العراق المركزي من المنطقة وملفاتها، أن "زمن التسويات الكبيرة لم يحن بعد". دخلت المنطقة كلها مرحلة المفاوضات الصعبة. من الطبيعي جداً أن يعمل كل طرف على تحسين شروطه للتفاوض. كلما وصل وقت الجلوس الى طاولة المفاوضات، أصبح ضرورياً الإمساك بأكبر عدد من الملفات أو على الأقل بأكبر عدد من المفاصل الحساسة والمهمة، للتحكم بوجهة مسارات التفاوض. من يعرف أكثر وجهة "البوصلة" وقوة الرياح هو الذي يحقق النجاحات. الملفان السوري والعراقي يتقدمان كل الملفات في المنطقة. سوريا هي "الملعب" الذي يتبادل فيه الجميع "كرة النار".

أرواح السوريين وأموالهم لا تعني اللاعبين، لأن ساعة الحسم لم تدق الآن. التصعيد العسكري والأمني هو سيّد الموقف. النظام الأسدي يطبّق الآن سياسة يُطلق عليها "القبضة الحديدية". يريد النظام الأسدي "كسر" إرادة السوريين قبل دخول العالم الإسلامي وسوريا شهر رمضان. يعتبر الأسد أن نجاحه في تجاوز رمضان من العام الماضي جعله يصمد سنة كاملة. أما نجاحه بعبور رمضان القادم سالماً مهما بلغت الخسائر، فيعني وقوفه أمام مرحلة المفاوضات والتسويات قوياً قادراً.
التفاوض على بقائه ووضع المعارضة "المدجنة" تحت "خيمته"، خصوصاً وأن ذاكرة العالم ضعيفة مهما بلغ عنف المجازر أمام إغراءات المصالح الكبرى.

من الطبيعي أن القوى الثورية السورية ومعها كل القوى الإقليمية والدولية المؤيدة والداعمة للثورة تعرف جيداً طموحات الأسد، ولكن أيضاً ـ وهو مهم جداً ـ تعرف قدراته الميدانية. من الواضح أن "المعارضة المسلحة" تزداد خبرة وإمكانات في حين أن قدرات النظام الأسدي تتناقص بوتيرة بطيئة وواضحة. انشقاق كتيبة عسكرية كما هي، تحول مهم في مسار الانشقاقات. الرواية الرسمية عن الهجوم العسكري على خمس محاور في ريف دمشق يؤشر الى خبرات ميدانية متزايدة. انتخاب عبد الباسط سيدا رئيساً للمجلس الوطني خطوة الى الأمام باتجاه توحيد المعارضة حول برنامج سياسي مشترك وطمأنة كل الأقليات الى وجودها وحقوقها وأمنها بعد الأسد.

أما لبنان، فإنه في زمن التحضيرات الكبرى للتسويات القادمة، وترشيح موسكو نفسها لأن تكون "طائف سوريا"، من الطبيعي والضروري أن يبقى تحت "خيمة الطائف". أمام إلحاح كل التطورات والمخاضات، يصبح إحياء طاولة الحوار، خطوة على طريق إبقاء لبنان تحت مظلة إقليمية دولية من الاستقرار المتوتر.
لا بد أن تصيب لبنان "كرة النار" ببعض الحروق المؤلمة. لكن نتيجة للتوافق الإقليمي الدولي، فإنها لن تحرقه. طاولة الحوار، لن تنتج اتفاقات ولا تسويات جديدة، ولا حتى بحثاً حول الدولة وقيامها. طاولة الحوار ضرورية في إطار مرحلة لبنانية لتقطيع الوقت، قبل الفصل في الخيارات الإقليمية والدولية.
لا يعني كل ذلك أنه يمكن للبنانيين أن يناموا على حرير هذا الوضع الاستثنائي. يجب ألا ينسوا أنه في عملية تحسين كل طرف لشروطه، تسقط خطوط حمراء غير متوقعة، ويصبح الثمن مرتفعاً.
  

السابق
كلمة حقّ تقال
التالي
الانتقال إلى الديموقراطيّة