نجاح الحوار لا يجب أن يكون مستحيلاً!

رغم الأجواء الأمنية والسياسية الملبّدة بالقنص والخطف والشغب في أكثر من منطقة، فإن العودة إلى طاولة الحوار تُعتبر خطوة إلى الأمام، على طريق حلحلة بعض العُقد السياسية، وتنفيس الإحتقان المتفجِّر في الشارع، والحؤول دون وصول البلد إلى حالة من الفلتان، يفقد الجميع قدرة السيطرة على تداعياتها المدمِّرة.
وانعقاد جلسة الحوار اليوم، بعد طول غياب، يُعتبر نصف انتصار للنهج الذي يسير عليه رئيس الجمهورية، وسط حقول متداخلة من ألغام الخلافات الداخلية والصراعات الإقليمية المشتدّة حالياً في الساحة السورية.
نجاح فرصة الحوار الجديدة، واكتمال انتصار نهج الرئيس ميشال سليمان، يتطلّبان الكثير من الحنكة والمزيد من المثابرة، من جميع الأطراف السياسية، حتى يصل مشوار الحوار الى أهدافه المرجوّة، والتي يجب أن تصبّ جميعها في خانة تعزيز الإستقرار، وتحصين الجبهة الداخلية من خروقات العاصفة السورية الهوجاء للحدود اللبنانية.
وإلاّ ما معنى استئناف طاولة الحوار، إذا بقيت العملية في حدود الشكل، والصورة التذكارية، ولم تصل إلى المضمون، وتجد الصيغ المناسبة لمعالجة لبّ الموضوعات والقضايا المختلف عليها، وفي مقدمها مسألة السلاح والإستراتيجية الدفاعية، وصولاً إلى قانون الإنتخاب العتيد، وما يقتضي كل ذلك من إستعادة سريعة للوفاق الوطني، عبر التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، سواء كانت من السياسيين أو من التكنوقراط، تتولى عملية الإشراف على المرحلة الانتقالية التي تسبق الإنتخابات النيابية المقبلة بانتظار نتائج الأزمة المتفاقمة في سوريا.

ثمّة مؤشرات عربية ودولية تشجّع، بل تدعم، توجّه القيادات اللبنانية إلى طاولة الحوار، وكلّها تؤكّد على رغبة الأشقاء والأصدقاء بتجنيب الوطن الصغير ارتدادات الزلزال السوري من جهة، وعدم إفساح المجال لظهور بيئة تحتضن التيّارات المتشدّدة، وتُتيح لتنظيمات، مثل القاعدة وأخواتها، فرصة الدخول في ثنايا تلك البيئة المحبطة إنمائياً وإجتماعياً، والمتوثّبة سياسياً ودينياً وحتى طائفياً.
ما يجري في طرابلس منذ أسابيع من مناوشات مفتعلة بين التبّانة وجبل محسن إلى عمليات الخطف المتبادلة في عكار، والتي تُنذر بأوخم العواقب، إلى الأحداث الأمنية المتنقّلة من بيروت إلى البقاع والمناطق الاخرى، كلّها دلائل على مدى الحالة الخطرة التي وصل إليها الإحتقان في الشارع، والذي اصبح قابلاً للإنفجار، والإطاحة بكل الضوابط، عند أدنى شرارة، فكيف إذا كان الوضع برمّته مهدّدا باحتمالات استيراد نار الفتنة من سوريا.

بغضّ النظر عن التباينات الحاصلة حول أولويات جدول أعمال طاولة الحوار، لا بدّ من التوافق الواضح والسريع على بند أساسي، بل ومصيري في هذه المرحلة بالذات، وهو سحب التشنّجات من الشارع، والعمل على تحصين الجبهة الداخلية عبر وثيقة شرف تعتبر فيها كل الاطراف السياسية، أن فصل الوضع اللبناني عن تطوّرات ومضاعفات الأزمة السورية إلتزام لا تراجع عنه، لإبعاد شبح الفتنة عن الشارع الداخلي، مع احتفاظ كل طرف بحقّه السياسي في اتخاذ الموقف الذي يراه مناسباً من النظام أو من معارضيه.
وغنيّ عن القول أن مثل هذه الوثيقة الوفاقية من شأنها ان تنقل الوضع اللبناني من حالة التأزم والتوتّر الحالية، إلى رحاب واسعة من الإرتياح والطمأنينة لدى كل اللبنانيين، الذين يعيشون كابوساً مفزعاً من الرعب بسبب الإحتقان المتفاقم والمواجهات المتزايدة في الشارع.
ولا نُغالي أن التقاء أطراف الحوار على هذه الأولوية من شأنه أن يساعد على فتح أبواب التوافق على العديد من البنود الأخرى، لعل في مقدّمتها مسألة سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، والذي كان في صُلب قرارات طاولة الحوار في جولتها الاولى.
كما أن وضع موضوع سلاح حزب الله تحت بند الاستراتيجية الدفاعية، انطلاقاً من «تفهّم المجموعات والأطراف اللبنانية لهواجس بعضها بعضاً، كما أوردت مذكرة قوى 14 آذار إلى رئيس الجمهورية، والتي أكدت أيضاً على ضرورة تفهّم اللبنانيين لشعور بعضهم «بالغبن المتراكم او بالخوف من نزعة البعض إلى الهيمنة والتسلّط»، يجب ان يضع مناقشة هذا الموضوع الاستراتيجي والحسّاس بمستوى المسؤولية الوطنية الكبرى التي تعني كل اللبنانيين، وفي مقدّمتهم القيادات السياسية، على اختلاف انتماءاتها الحزبية.

إن الرهان على نجاح تجربة الحوار اليوم ليس سهلاً، ولكنه لا يجب أن يكون مستحيلاً!
لقد أثبتت أحداث وتطورات الفترة التي تعطّل خلالها الحوار، وسادت القطيعة الهجينة بين الأطراف السياسية، وخاصة بين قيادتي تيار المستقبل وحزب الله، أن التأزّم يكبر ويشتد عندما تنقطع قنوات التواصل، وتغيب المعالجات المشتركة، وتتحوّل الخلافات السياسية إلى صراعات وتوتّرات وفِتَن قابلة للإشتعال في الشارع.
ولا أحد يتوقّع أن يستعمل رئيس الجمهورية «خاتم سليمان» في جلسة اليوم، لطي كل الخلافات المستعصية والمزمنة بين فريقي 14 و8 آذار،
فالكل يُدرك أن المسألة أكثر تعقيداً، وأن الوصول إلى شاطئ الوفاق بين طرفي الإنقسام الحالي، قد يتطلّب جلسات ماراتونية من النقاش، وأن بعض البنود قد تبقى خارج الإتفاق بينهم..،
إلا أن كل ذلك لا يبرّر عدم التوصّل إلى صيغة تسحب الفتيل من الشارع، وتُساعد على تنظيم الخلافات وإبعادها عن بركان الإحتقان الحزبي والمذهبي.

إن الدعم الذي يقدّمه الأخوة العرب، عبر بادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، قد لا يستمر إذا لم تكن القيادات اللبنانية على مستوى مسؤولياتها الوطنية والمصيرية.
ولعلّ الرئيس ميشال سليمان استشعر مخاطر فشل الحوار، خلال جولته الخليجية الأخيرة.
  

السابق
الديموقراطيّة صنيعة الأمّة ونتاج وعيها
التالي
النهار: طاولة بعبدا تفتقد اليوم غسان تويني سليمان: هو الذي سماها هيئة الحوار