عشائر العراق وتمجيد الخميني!

يبدو ان موسم المهازل العراقية والذي تحول ضحكا اشبه بالبكاء بل يزيد عليه يابى ان يتوقف, فبعد ان تمكنت الاحزاب الطائفية ذات المرجعية الايرانية من التسويق المخجل لذكرى وفاة الزعيم الايراني الخميني وحولتها مناسبة وطنية عراقية يحتفل بها البعض وفق طقوس تمجيدية مخجلة ومؤسفة, وبما يغرس سكاكين حادة في الكرامة الوطنية لمجمل العراقيين, استمرت عمليات التزييف والخداع واللغو الاهوج لتجبر بعض الوجوه العشائرية العراقية العربية الاصيلة على المشاركة في ذلك الاستعراض الفج وتتويج الخميني الراحل باعتباره رمزا وطنيا عراقيا تم اضفاء صفة القداسة ولربما المعصومية عليه, فقد غطت بعض القنوات الفضائية ذات المرجعية الايرانية مهرجانات خطابية صاخبة اقيمت في بغداد لما قيل انها تجمعات عشائرية عراقية تنادت لتخليد الذكرى السنوية 23 لوفاة اية الله الخميني, وحيث تم اضفاء صفات القداسة والعظمة على الزعيم الايراني منوهة بدوره الكبير فيما اسموه »الوحدة الاسلامية« ولم يخل الحفل من صور كثيرة لخليفة الخميني, وهو علي الخامنئي الولي الايراني الفقيه الحالي حتى يخيل للمرء المتابع بان ذلك المهرجان قد عقد في طهران وليس في بغداد وحكاية لعبة العشائرية وتطويع شيوخ العشائر او اختراع شيوخ عشائر وهميين هم في حقيقتهم عناصر عاملة في الاحزاب الطائفية ليست جديدة بل انها لعبة مستهلكة وسقيمة وسخيفة لان رجال العشائر العراقية من اهل الاصل والكرامة يعلمون جيدا باستحالة ان يكونوا مطية في تسويق قيادات شعوبية لاعلاقة لها بتربة العراق وارضه وحضارته وتاريخة على انهم رموز وطنية.
الخميني, في البداية والنهاية, هو زعيم ايراني قومي ولو كان برداء ديني, واضفت القيادة الايرانية الحالية عليه لباس القداسة وقربته حتى من حالة المعصومية, وذلك شان ايراني خاص لا علاقة لنا به ولا غرض ولم يكن يوما هاجسنا, ولكنه وفقا للحالة العراقية, تاريخيا وموضوعيا وانسانيا, شخص اجنبي وقائد لدولة مجاورة وخاض حربا ضروسا ضد عدو شخصي له, وهو النظام العراقي السابق, كما ان الخميني بنهجه واسلوبه يحمل مشروع ورسالة تبشيرية واضحة الاهداف محورها ولحمتها وسداها قيادة الثورة الاسلامية (الشيعية) العالمية وفقا لرؤيته واجتهاده الخاص والذي تحالفه فيه ايضا اغلبية المراجع الدينية الشيعية التي تناى بنفسها عن الخوض في غمار اللعبة السياسية التي تستهلك الكثير من الطاقات والدموع والالام, فرجال الدين هم صمام امان للمجتمع وينبوع رحمة وليسوا دعاة للموت و التخريب والدمار, والخميني في الحالة العراقية كانت سياساته التي اطرت مسيرة النظام الايراني بعد الثورة الشعبية التي اطاحت بعرش الطاووس عام 1979 سياسة عدوانية ممنهجة باطر تبشير عقائدية عبر مشروع تصدير الثورة الذي خلق وضعا اقليميا متازما ولايزال, وبدد مصادر القوة العربية والاسلامية, واتاح المجال للعدو الصهيوني للتمدد والهيمنة, فالنوايا الحسنة وحدها ليست كافية بالمرة لتصحيح الامور بل ان سياسة التوتر وخلق الازمات و محاولة استبدال الانظمة السياسية عبر طرح مشاريع ثورية جاهزة و مغلفة باطماع قومية قد كلفت المنطقة الكثير.
لقد تحمل الشعب العراقي بشكل مباشر كل تبعات تقلب المزاج السياسي الايراني وتحول ضحية لصراع ارادات دولية بين حاكم غشوم مجرم كصدام حسين الذي استخدمته القوى الكبرى كالعوبة دموية جاهزة لتنفيذ سيناريوهات رهيبة, وبين سلطة ثورية ايرانية مستبدة كانت تدشن مشروعا سلطويا استبداديا يهدف لافراغ الساحة الايرانية من كل القوى الثورية الحقيقية التي قادت النضال الشعبي للتخلص من عرش الطاووس المتفرعن, والعجيب ان نظام صدام بدا مسيرته بالتخلص من كل القوى السياسية العراقية المعارضة من مختلف الاشكال وقد بدا بالبعثيين انفسهم ثم دشن نظامه الاستبدادي بمجزرة فريدة لرفاق المسيرة البعثية الواحدة مؤسسا للحقبة الفاشية المباشرة, وكذلك فعل نظام الخميني الذي انعطف ليقمع المؤسسة الدينية الايرانية ذاتها ممثلا بالمرحوم اية الله كاظم شريعتمداري قبل ان يختتم عهده باضطهاد نائبه وقتذاك, المرحوم اية الله حسين علي منتظري الذي قاوم المشروع الفاشي والدموي لنظام الولي الفقيه, وبين هذين المرجعين المهمين ضرب نظام الخميني ضربته ضد التيارات المدنية و اليسارية بدءا من رئيس الجمهورية الاسلامية الاول ابو الحسن بني صدر, ثم ابعد رجال الجبهة الوطنية الايرانية القديمة كمهدي بزركان ثم اعدم صادق قطب زادة وشن حملة ابادة رهيبة ضد مجاهدي الشعب الايراني (مجاهدين خلق) الذين استجابوا للتحدي عبر اعلان المقاومة الشرسة التي لم تتوقف حتى اليوم, ثم تحول الخميني لانهاء »حزب تودة« الشيوعي الذي لعب دورا كبيرا في مقاومة نظام الشاه الراحل وتم اعتقال و اذلال زعيم تودة (كيا نوري) مؤسسا بذلك لنظام فاشي ديني مستبد فرض رؤاه الاحادية على المجتمع الايراني محولا ايران لسجن كبير و معتقل رهيب باسطا سلطة المؤسسة الدينية وفقا لرؤية ونظرية الولي الفقيه الديكتاتورية والتي تناضل جماهير الشعب الايراني لاسقاطها عبر شعار الموت للديكتاتور (برك بر ديكتاتور) وحيث يستعد الشعب الايراني لاطلاق ثورته الشعبية الهائلة التي ستطيح برؤوس الدجل و الاستبداد, لذلك فان تنادي عشائر العراق لتمجيد قتلة الشعب الايراني يعبر عن حالة سلوكية غير مقبولة وغير منطقية ايضا, فعشائر العراق العربية والكردية ايضا تحملت تضحيات و خسائر هائلة في الحرب القذرة التي اشتعلت بين نظامي صدام و الخميني و التي ركب النظام الايراني فيها راسه واصر على استمرار الحرب و تسبب بملايين الاصابات البشرية بشكل غير مبرر و لا مسؤول و يخلو من اي توجهات اسلامية حقيقية تراعي انسانية الانسان وتقدس الروح البشرية. مافعلته الاحزاب الطائفية العراقية ذات المرجعيات الايرانية بتشويه سمعة العشائر العربية واظهارها بمظهر العامل في خدمة المشروع الشعوبي الايراني عار كبير على تلك الاحزاب المفلسة العميلة, فالاحرار لا يمجدون القتلة.  

السابق
قليل من الطب النفسي… لا يضر!
التالي
الشعب يريد تناول الطعام!