الحوار في معادلة الفيتو والأطفال 

من المشروع جداً لفريق المعارضة أن يتحفظ عن حوار الاثنين، وأن لا يذهب إليه إلا للشكل بلا مضمون، ومجتزاً بلا نصاب أول كامل وحاسم. فالرأي الغالب داخل هذا الفريق أنه أُخرج من الحكم بانقلاب لا أبيض ولا أحمر. بل «أسود». بعدها وصل الانقلابيون إلى مأزق، في السياسة والاقتصاد والأمن. تغيرت معادلة إقليمية حتمت «انقلابهم»، وتبدلت أهواء داخلية ترتبط دوماً بحسابات الخارج. من المشروع أن يفكر فريق المعارضة أن الحوار الآن هو خدمة مجانية من قبله لخصمه. يقدم له براءة ذمة عما سبق، ويتطوع للمشاركة في تحمل المسؤولية عما سيلي، خصوصاً أن ما مضى وما سيأتي في حسابات المعارضة، ليس غير خسائر وكوارث وعواقب.
وفي المقابل، من المشروع جداً لفريق الحكومة أن يحاول إحراج خصومه بتلبية دعوة الحوار من دون تردد، وإن كان في ذلك نوع من التشاطر أو التذاكي في مسألة وطنية مصيرية. فصاحب الدعوة هو ميشال سليمان، ونحن وهو الآن بالذات على توافق سلطوي فرضته وضعية الجدار المسدود. هو يبادر ونحن نتجاوب، فيصير الطرف الآخر أمام دوامة خاسر – خاسر: إذا قبل الحوار يخسر موقع المعارضة، وإذا رفضه يخسر موقع الشريك المحاور. وفي الحالتين، الملف الأساسي الذي يشكو منه الخصم ــ أي ملف السلاح ــ محظور على النقاش. محظور إذا جاء إلى الحوار، بحجة إجماع الحكومات المتعاقبة. ومحظور إذا غاب عنه، بحجة قرار الحكومة الحالية ونهجها وسياستها وسلطتها أو سلطويتها…
لكن ماذا لو وضع الطرفان جانباً مسألة تلك الحسابات، وتطلعا إلى الوضع بحد أعلى من الشمولية: ماذا لو اكتشفا، أو اعترفا، بأن لبنان كله قد دخل فعلياً في مدار الفراغ السوري، وأنه بات جرماً سابحاً كلياً في فلك الفوضى الموقَّعة هناك، على توازنات ثلاثة شبه ثابتة: توازن داخلي بين لا سقوط دمشق ولا حسمها للأمور، يطوقه توازنان إقليمي ودولي، يكرسانه عنواناً لمدى زمني غير محدود. ثم ماذا لو اكتشفا مثلاً أنه في ظل تلك التوازنات ثمة من قرر المغامرة بكسرها بالقوة، وبالعنف وبالدم والحديد والنار. ثمة من يراهن على أن الفيتو الروسي أو الصيني في الملف السوري ليس مطلقاً، وأنه لا بد أن يكون معادلاً لعدد معيّن من جثث الأطفال السوريين، يكفي أن تقفز فوق ذلك العدد، لتسقط موسكو وبيجينغ. ثمة من يرى اللعبة النيويوركية مجرد كفتي ميزان متوازيتين الآن، بفعل موقفين سياسيين متقابلين. وهو يراهن على أنه كلما أضاف رأس طفل مقطوع أو مسحول في كفته، اقترب من ترجيح فوزه بالمباراة، كما لو أنها لعبة كرة رؤوس، أو استضافة دورة دولية في الأكفان والأحفة. المهم أن العملة الوحيدة الصالحة هنا هي أعداد مجازر الأطفال. ثم ماذا لو اكتشف طرفا «حوارنا» أيضاً، انه في ظل الندية الأممية القائمة في مانهاتن، كما في ظل تريث واشنطن في انتظار انتخاباتها وحسابات تأثير هذه الخطوة أو تلك على اتجاهات الناخبين… في ظل كل هذا الجمود، ثمة من قرر محاولة كسره على الحامي. ومحاولة كهذه تعني خياراً واحداً: فرض واقع التفجير الخارجي في وجه الوضع الداخلي السوري. تركيا من الصعب استدراجها إلى لعبة كهذه. العراق مقفل كما محاولات إسقاط المالكي هناك. الأردن ممنوع الاقتراب منه لأسباب اسرائيلية فلسطينية، وبالتالي أميركية غربية. تبقى خاصرة وحيدة: لبنان. وتبقى خريطة طريق واحدة لتلك الخاصرة: تبدأ من منطقة عازلة في شمال لبنان، أو بتسمية أكثر دقة، من جنوب «الأرض الهدف». بعدها تحول تلك المنطقة إلى إمارة مذهبية تمهيداً لتصعيد أكبر داخل «الهدف». من ثم تسعى إلى استنساخ تلك البؤرة حيث أمكن: في البقاع الأوسط، في مربع صيدا ــ الإقليم ــ عين الحلوة… بحيث تقطع أوصال محور دمشق ــ الضاحية في شكل مثلث: قطع طريق بيروت الشام، قطع طريق الضاحية الجنوب، وقطع طريق الجنوب البقاع. عند هذا الحد تنقلب المعادلة ويصير ثنائي الأسد ــ نصر الله هو المحشور في معادلة خاسر ــ خاسر. إذا أحجم خسر، وإذا أقدم خسر… ماذا لو كان ثمة من يفكر بهذه الطريقة، فيما واشنطن تعد لهجوم مصرفي جديد علينا، وفيما يتكفل «الربيع العربي» بكل إرهاصات العواصف الأخرى، سياحياً واقتصادياً واستثمارياً وحتى «تحويلياً»، مع أخبار ترحيل اللبنانيين المتزايدة والمطردة. في لحظة كهذه، ألا يفترض بطرفي الحوار أن يذهبا إليه بمقاربة جديدة؟ ماذا لو تصارحا بالكامل، واتفقا على الهامش المتاح بالتفلت المتقابل من الأجندات الخارجية؟ ماذا لو «تواطآ» في محاولة لإقناع خارجيهما بأن اللعبة أضحت خطراً على الجميع، وأن لا رابح فيها؟ هل يعني ذلك نوعاً من معادلة: إما حوار وإما 7 أيار؟ قد يكون الوضع كذلك. لكن بالتأكيد بلا يوم مجيد ولا مشين هذه المرة. بل بأيام كوارثية على الجميع.  

السابق
واشنطن تقود خطة تصعيد جديدة ضد سورية لتعزيز موقعها التفاوضي
التالي
التدخّل الخارجيّ أو الاحتراب الأهليّ