التدخّل الخارجيّ أو الاحتراب الأهليّ

بعد مجزرتي الحولة والقبير، تغــــــدو الأزمة السوريّة أكثر ترشيحاً لأن تتّخذ شكل الحرب الأهليّة المفتوحة. يقع هذا الاحـــــتمال، الكبير للأسف، على تقاطع طرق ثلاثة:
الأولى، رفع النظام، الذي لا يريد الرحيل مهما كان الثمن، سويّة الحلّ الأمنيّ إلى حلّ وحشيّ. يترافق هذا مع خفض الشكلانيّة السياسيّة التي «يعالج» بها الأزمة من سويّة الرسْم العبثيّ إلى سويّة الكاريكاتور، على ما دلّ الانتقال من الانتخابات إلى اختيار رئيس الحكومة الجديد. وبين هذين الطورين أعلن بشّار الأسد «نظريّة» التعاطي مع الثورة: إنّها «الحرب على الداخل».
الثانية، انكشاف المجتمع السوريّ كمجتمع مشرقيّ، ما بعد عثمانيّ، مفتّت. يُستدلّ على ذلك بجملة حقائق ووقائع في عدادها قيام السلطة على التفتيت المتواصل مقابل عجز الثورة عن الارتقاء إلى أيّ شكل مركزيّ ومنسجم. وما توازن القوى الشالّ بين الطرفين سوى إشارة بليغة إلى انسداد الحلّ من الداخل، بعسكرة أو من دون عسكرة.
الثالثة، استمرار الفتور العمليّ إقليميّاً ودوليّاً، في مقابل رفع الصوت الإعلاميّ والدعويّ. يجري هذا بعدما دُفع «الحلّ السياسيّ» العربيّ – الأمميّ، مرموزاً إليه بكوفي أنان ومبادرته، إلى الحدّ الأقصى، أي إلى الاستنفاد.
بيد أنّ الفتور السياسيّ الإقليميّ والدوليّ بات الآن، ولا سيّما بعد استنفاد «الحلّ السياسيّ»، يرقى إلى جريمة. هذا لا يعود فحسب إلى أنّ مجازر كمجزرتي الحولة والقبير يمكن أن تصير حدثاً يوميّاً، بل أيضاً إلى أمر يفوقها خطورة: فسورية اليوم تقف بين أفقي الاحتراب الأهليّ المفتوح، ومن عناوينه تنامي العسكرة واندفاع الغرائز الطائفيّة، وبين الضبط الخارجيّ تبعاً لشلل توازن القوى الداخليّ وعجزه. وبكلام صريح واضح: إمّا أن يتدخّل العالم على نحو فاعل ما أو أن يسود الاحتراب الأهليّ بلا أيّ ضابط.
أمّا بالمعنى السياسيّ المحدّد فالتدخّل لم يعد مطلوباً فحسب لغرض وجيه من نوع إطاحة السلطة القاتلة والغاشمة. إنّه مطلوب أيضاً لإبقاء سورية قابلة للحكم، أيّ حكم، ولعدم تحويل عجز السلطة إلى طريقة حياة ستكون، تعريفاً، مرسومة بالدم.
لكنْ أيضاً، يبدو التدخّل مطلوباً لهدف آخر يتعدّى سورية، علماً أنّ إنقاذ سورية وحدها هدف نبيل وكافٍ بذاته للتدخّل. فالوقوع بين لبنان والعراق، وهما بلدان تعتمل فيهما الأحقاد والحسابات الطائــــفيّة اعتمالها في سوريّة، يعني أنّ الحريق السوريّ حريق مشرقيّ شامل يسوّر بالنار والتفتّت شمال منطقة الخليج النفطيّة. أمّا الذين يدافعون عن عدم التدخّل كي يحرموا التطرّف الإسلاميّ (وصولاً إلى «القاعدة»؟!) كلّ مكسب محتمل، فيفوتهم أنّ الاحتراب الأهليّ المفتوح أكثر البطون خصوبة في توليد ذاك التطرّف وفي إنعاش أنواع الإرهاب بلا استثناء. يصحّ المنطق نفسه في موضوع الأقليّات التي يريد البعض أن يحميها بتركه نظام الأسد قادراً على الفتك والجريمة، ومن ثمّ بتوفير شروط مُثلى للاحتراب الأهليّ. والحال أنّ هذا الأخير هو محرقة الأقليّات التي لا نجاة منها.
ومن خلال ما يجري على الحدود اللبنانيّة – السوريّة، أو في طرابلس ولكنْ أيضاً، من خلال المعاملة العنصريّة التي شرع يلقاها العمّال السوريّون في مناطق سيطرة «حزب الله»، بعد الخطف الإرهابيّ للّبنانيين الأحد عشر في سورية، بدأ لبنان يقدّم عيّنة صغرى عن الحال التي تتّجه إليها المنطقة. أمّا العراق، الذي كان سبّاقاً، فبالتأكيد جاهزٌ لكلّ تفاعل خيّر!  

السابق
الحوار في معادلة الفيتو والأطفال 
التالي
قليل من الطب النفسي… لا يضر!