هناك ما يستدعي الأمل

انطلقت الحركة الطلابية في الكيبيك، التي أصبحت اليوم أقرب إلى انتفاضة شعبية، مع ارتفاع الرسوم الدراسية للدراسات العليا بنسبة 75 في المئة، ممتدة على فترة 5 سنوات.
بدأ طلاب الكيبيك "ثورتهم" مع إعلان إحدى الجمعيات الطلابية إضرابها في أوائل شهر شباط. أما الجمعيات الأخرى فلحقت بها تباعا، إلى أن وصل عدد الطلاب المشاركين رسميا في الإضراب العام غير المحدد الأجل في 22 آذار، إلى 220 ألف طالب. حتى إن بعض الطلاب دخلوا إضرابهم من دون تجديد، أي إنهم أعلنوا الإضراب المفتوح حتى تتراجع الحكومة، وبالتالي امتنعوا عن التصويت الذي يتم من أجل تجديد الإضرابات خلال الاجتماعات العامة الأسبوعية التي تقام في الجامعات.
بداية، شهد الشارع بعض الاحتجاجات السلمية، مرّة كل أسبوع. إلا أن الأمور اختلفت وراحت تأخذ منحى آخر بعد 22 آذار المفصلي، يوم عرفت الكيبيك أكبر تظاهرة في تاريخها. بعدها، احتل الطلاب شوارع المقاطعة. قطعوا الطرقات واحتلوها، وقطعوا ميناء مونتريال لكي يكون لانتفاضتهم أثر وضغوطات اقتصادية، كون الحكومة لا تتقن لغة غير لغة المال. وأتقن الطلاب فن التظاهر، فنزلوا إلى الشارع مرّة في شكل جنازة أو مسيرة دفن، وتظاهروا مرة بهيئات "زومبي"، وفي مرات أخرى كان الكل يمشي شبه عارٍ.

مع ذلك، وبالرغم من كل التحركات وأمام كل ما يشهده الشارع، ظلّت الحكومة معقودة اللسان. وبالكاد جرت محادثات بين قيادات طلابية وبعض أعضاء الحكومة الليبرالية، ولكن عبثا.
لماذا؟ لأن الحكومة، بحسب كثيرين، تعتبر الوضع الحالي جزءاً من انتخابات العام المقبل، ولا تقيّمه إلا من هذا المنطلق.
عمليّا، يجد الكيبيكيون أنفسهم خاضعين للضريبة بشكل لم يعتادوه، وبما أن الزيادة المعلنة كانت على الرسوم الدراسية، يقلق معظمهم من أن يؤدي التراجع عنها إلى التأثير عليهم، مما لا يحفز ثلثي شعب الكيبيك تقريبا على معارضة ميزانية الحكومة التي ينتفض الطلاب ضدها. لهذه الأسباب تحديدا، يصعب على حكومة جان شارست أن تفكر بالمسّ بالزيادة على الرسوم الدراسية.

الصراع كأنه يتخمّر، يتفاقم بشكل مستمر. وحتى اليوم، يشهد الشارع في الكيبيك اعتقالات جماعية، وطلابا بجروح خطيرة، القانون 78 الذي ينتهك بشدّة ميثاق الحقوق والحريات الكندي، قانون يمنع ارتداء الأقنعة، ظاهرة أعمال الشغب في المدينة، الترهيب من قبل الشرطة، تعزيزات أمنية…
من ناحية أخرى، الفصل الدراسي في الشتاء تم تأجيله إلى منتصف شهر آب، لكن الإضراب مستمر مع ذلك: الاحتجاجات تحدث بشكل نهاري وليلي. من مونتريال إلى كل الضواحي، تشهد الطرقات حفلات "عزف على الطناجر"، وكل يوم ابتداء من الساعة الثامنة ليلا، نخرج إلى الشارع ونبدأ الطرق على "الطناجر".

شاركت، من جهتي، بعد أشهر طويلة من الإضراب، بأكثر من مئة تحرك: من تظاهرات، واحتلال للشوارع، قطع للطرقات، مسيرات، حفلات تنكّرية… إلى أن نما في داخلي حبّ للمقاومة، التي أصبحت اليوم، بالنسبة لي واجبا وطنيا. اعتدت على الهراوات، على فلفل حريف، على ارتداء وشاح منقوع بالخلّ وعصير الحامض، واعتدت تلقي الـ"مالوكس" على وجهي (للتخفيف من آثار الفلفل والغاز)، أن أتنفس في سحب الغاز المسيل للدموع، الركض تحت القنابل الصوتية، الركض فيما يلاحقني جدار من شرطة مكافحة الشغب، ملاحقتهم أحيانا بقبضتي المرفوعة… ولكنني تعلّمت قبل كل شيء معنى أن يقف شعب على رجليه متحدا متضامنا. عندما ينزل 200 ألف شخص إلى الشارع ويصدحون: "شعب.. موّحد.. لا يهزم يوما!"، بلغات مختلفة، هناك ما يستدعي الأمل.

البعض يظن أن الصراع يجب أن يُحلّ في صناديق الانتخابات، كون مساعي التفاوض تنتهي كلها بالفشل، حتى إنها أدت إلى استقالة وزير التربية والتعليم، لين بوشان. الصراع الذي بدأ طلابيا أصبح صراعا اجتماعيا أوسع بكثير: هل نريد مجتمعا يمينيا أم يساريا؟ سوف يكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف ستكون تداعيات هذا الصراع على انتخابات الكيبيك المقبلة، وعلى السيادة والقومية فيها.  

السابق
ماذا تفعل الحكومة؟ ولماذا تبقى؟
التالي
لبنان: حوار أم انفجار أم..؟