لبنان: حوار أم انفجار أم..؟

منذ ان اعتمد اتفاق الطائف مخرجا للازمة اللبنانية، تصور اللبنانيون بانه سيكون الطريق الى بناء دولة تحقق لهم طموحهم في الامن والاستقرار والعدالة. ولكننا مع الخبراء المختصين بالشؤون الدستورية والسياسية رأينا فيه مخدرا او مسكنا للجسم اللبناني يجنبه ظرفيا آلام الحرب الاهلية، ويقود الى مرحلة انتقالية تفسح بالمجال للبحث عن نظام سياسي يستجيب فعليا للطموح اللبناني، فالاتفاق ورغم ايجابيته:

1) لم يرس دولة المواطن، بل كرس – انتقالياً حسب النص- منطق الطوائف والنخب الطائفية المسيطرة، وهذا يتعارض حتماً مع منطق الديمقراطية التي تقيم حكم الاكثرية الشعبية حسب مفاهيم الديمقراطية، لكنه أوحى بأن الحلّ يكون بإلغاء الطائفية السياسية وإقامة دولة القانون القادرة العادلة، وهذا ما يجب الوصول اليه حتى نقول إن في الامر حلاً.

2) ولأنه انتقالي، فانه وزع السلطات بين الطوائف الكبرى (وحرم الطوائف الصغرى من اي سلطة)، ولكن التوزيع جاء ايضاً غير متوازن إذ اقام وبشكل مقنع حكم الشخص الواحد – رئيس الحكومة – الذي يعتبر الممر الالزامي لاي موقف او قرار او تدبير رسمي مهما كان شأنه، وبالتالي جاء الاتفاق ليقيم واقعيا حكم المشيخات والامارات الخليجية ولكن بلقب رئيس حكومة.

3) لم ينشئ في الدولة هيئة فعلية تكون قادرة على ضبط الايقاع للخروج من المآزق في الحكم اذا تعطل العمل، حيث ان رئيس الجمهورية لا يستطيع ان يحل مجلس النواب الا في شروط معقدة لا تتحقق، وان مجلس النواب يفتقد الى القدرة على محاسبة الحكومة لان الاكثرية هناك هي التي التي تشكل الحكومة، وبالتالي نعود الى سلبية تمركز السلطة في يد رئيس الحكومة الذي في حالات
الانسياب الطبيعي للامور يكون هو سيد الاكثرية النيابية وهو رئيس الحكومة الذي يعطيه الدستور سلطات واسعة تجعل منه هو االحاكم الفعلي الوحيد في الدولة، بمعنى انه لا يُمرَّر شيء من غير رضاه وان كانت ارادته ليست هي التي تصنع القرارات في الدولة التي تبقى بحاجة الى اكثرية الثلثين في الاساسي منها والاكثرية المطلقة من اعضاء مجلس الوزراء في ما تبقى.

4) اما المجلس الدستوري الذي هو افضل ما تمخض عنه الطائف من اصلاحات لا بل يمكن القول بانه جوهر اصلاحات الطائف، فانه جاء في النصوص واصول المحاكمة والمراجعة ممسوخ الصلاحية الى الحد الذي يداني الشلل. وباتت الاكثرية ايضاً هي التي تتحكم به، ان في مجلس الوزراء بالتعيين او في مجلس النواب بالانتخاب. ونعود الى دكتاتورية الاكثرية مجددا.

5) واذا وقفنا على كيفية تشكل الاكثرية في مجلس النواب بنظام انتخاب اكثري – يتمسك به حالياً المستفيدون منه ولا يرتضون عنه بديلاً- لوجدنا ان الاكثرية تنتجها الاموال السياسية والعصبيات الطائفية، ما يؤدي الى القول وبكل بساطة ان نظام الطائف هو نظام فضفاض لفظياً قد يغري بالتمسك به، لكنه في الحقيقة نظام انتاج سلطة المال والطائفية واقامة حكم الشخص الواحد وبشكل استبدادي.

لكل ذلك كان من الضرورة بمكان الاسراع في الخروج من المرحلة الانتقالية التي انتجها اتفاق الطائف خاصة بعد الفضائح التي اظهرها التطبيق على يد فؤاد السنيورة اولاً، (إذ تمكن برئاسته لحكومة ما بعد الحريري- الاب ان يحكم ولمدة سنتين متجاوزا رئيس الجمهورية كلياً، ومسقطاً من قاموسه الطائفة الاكبر في لبنان، وكان حكمه كما يقول دستوريا مئة بالمئة)، او مع نجيب ميقاتي الذي يرأس الحكومة الحالية والذي يمثل كتلة لا تتعدى 3 نواب في مجلس النواب (عينهم جميعا وزراء). ومع ذلك، فانه فرض قراره وايقاعه على مجلس الوزراء واخفق من يملك الكتلة الاكبر في مجلس النواب والثلث من مجلس الوزراء ان يمرر اي مشروع او اقتراح لا يرضى عنه رئيس الحكومة (كتلة الاصلاح والتغيير).
في غمرة هذا الواقع- المأزق يأتي طرح السيد حسن نصرالله لاقامة مجلس تأسيسي للبحث عن نظام حكم يلائم لبنان ويتوافق عليه اللبنانيون. وقد كان طرحه واضحا لا يحتمل التأويل وينطلق من ثوابت اساسية لايجاد الحل تتمثل في:

1) ان تشارك جميع الشرائح اللبنانية في البحث لايجاد الحل.
2) ان يكون هدف المجلس البحث عن نظام دولة العدالة والمساواة بين المواطنين.
3) ان تحفظ وحدة الدولة.
4) ان يتم الاتفاق على الحل بشكل توافقي باجماع اللبنانيين.
5) ان يعمل المجلس في مهلة معقولة ودون ضغط الوقت.

وبشكل موضوعي نقول: ان في الطرح هذا منطقاً حضارياً، واعمالاً لما جاء في الطائف من البحث عن دولة المواطن بالغاء الطائفية السياسية حيث كان النص على الهيئة الوطنية للبحث في ذلك، كما انه يتناسب مع فكرة العقد الاجتماعي اصلا، وهي الفكرة التي تقوم فلسفتها على توافق ابناء المجتمع على العيش في دولة يختارون سلطتها ويتنازلون لها عن جزء من حقوقهم لتقوم هي بحفظ ما تبقى لهم من الحقوق.
كما ان هذا الطرح يتلاقى مع ما دعا اليه لبنانيون آخرون للبحث عن مخارج لمأزق الدولة الحالي، ولكن بصيغ اخرى، من قبيل اعادة النظر بالعقد الاجتماعي القائم الآن بين اللبنانيين ( البطريرك الراعي ) او من قبيل البحث عن نظام يلائم واقع لبنان، او كما يريد من رأى في الطائف صفقة تكرس سلطة الطائفيين وتهدر حقوق العلمانيين وطالب بالرجوع عن ذلك او من.. ومن… اي باختصار، كثير من اللبنانيين الذين يرون ان واقع الحكم في لبنان لا يناسب اقامة دولة عصرية ومعظم اللبنانيين يقولون بان لبنان لم يُنشئ دولةً حتى الآن، وان جل ما فيه سلطة ينهب من يستلمها خيرات الوطن.

في ظل هذا الواقع، نجد انه حان الوقت للخروج من ذهنية السلطة التي توزع المغانم الى منطق الدولة التي تحفظ الحقوق، وان عملية الخروج هذه لا يمكن ان تتم الا عبر حوار بين منفتحين وراغبين بالتطوير، او من خلال مواجهة لا شك انها ستحصل يوماً اذا لم يلجأ الى الحوار، لان الواقع الذي نحن فيه لا يمكن ان يستمر دون ان ينتهي بانفجار.
وهنا نتذكر سلوك الفئة التي كانت تحكم لبنان قبل اتفاق الطائف حيث رفضت الاصلاح فكان الانفجار الذي قاد الى الطائف واسقط معظم مكتسباتها وصلاحيتها، والآن قد تتكرر المأساة مع الفئة التي ترفض الاصلاح وترى ان النظام الانتقالي المكرس في الطائف هو نهائي مقدس لا يمس.

على من يرفض الحوار والتحديث والتطوير ان يعلم ان التعنت والتمسك بالظلم لا يرتدان على صاحبهما الا خسارة، وان التغني بالحقيقة في الوقت الذي يجري العمل على اخفائها امر لا بد من ان يفتضح، وان رفع راية المستقبل الواعد في الوقت الذي يصادر فيه حاضر الوطن ومستقبله، امر لا يمكن ان ينطلي على العاديين، فكيف بالنسبة الى العقلاء اصحاب الفطنة. ولنتذكر القاعدة الدستورية الشهيرة القائلة: «بان جمود الدساتير هو اقرب الطرق الى الثورات، بينما تكون مرونتها افضل حزام امان للاستقرار». والمرونة تعني امكانية التعديل وسهولته وبشكل يتلائم مع الضرورات والاحتياجات. لذا، ندعو الجميع لان يكونوا طلاب حقيقة وصناع مستقبل واعد لا ان يكونوا «تيار الهروب من الحقيقة وحزب تدمير المستقبل».  

السابق
هناك ما يستدعي الأمل
التالي
هيئة شؤون المرأة تدعو إلى تسريع الخطوات للحدّ من العنف