الأوروبّيون: أيّ لبنان…

يحظى لبنان بشيء من الاهتمام في المنتديات الأوروبّية، تحت شعار «النأي بالنفس عمّا يجري في الداخل السوري». ظواهر هذا الاهتمام ومؤشّراته كثيرة، بعضها يعود إلى زيارة جيفري فيلتمان الأخيرة إلى بيروت، ولقائه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان بعد اتّصال تلقّاه من وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون.

فيلتمان مرّ بالاتحاد الأوروبي قبل وصوله، وعرّج أيضاً وهو في طريق العودة، واضعاً الأوروبّيين في صورة الانطباعات التي تكوّنت لديه حول سؤال يقلقهم: هل يتمتّع لبنان بمناعة داخليّة تؤهله أن يلعب دوراً في دعم المعارضة السوريّة، أم سيكون على حساب سيادته، وسلمه الأهلي، ووحدته الوطنيّة؟

يتحدّث الأوروبّيون عن صلة وصل ما بين الانفتاح الأميركي على الرئاسة الأولى، والانفتاح السعودي، ويؤكّدون وجود خيط وثيق بين الرسالة الشفهيّة التي حملها فيلتمان من إدارته إلى الرئيس سليمان، وبين برقيّة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز.

انفتاح خليجي بعد انفتاح أميركي على رأس هرميّة السلطة في الدولة بالتنسيق والتفاهم مع الاتحاد الأوروبي، هذا تحوّل يستدعي الرصد والمتابعة لمعرفة حقيقة ما يُخبَّأ لهذا البلد في طالع الأيّام؟!

ويطلّ الأوروبّيون على لبنان من كوّة ما بين "الانفتاحين"، وتحت شعار: "ممنوع نقل الصراع من الداخل السوري إلى الداخل اللبناني". وتندرج تحت "هذا الممنوع" عناوين وتفاصيل ذات أبعاد، أبرزها:

أوّلاً: كانت هناك محاولة أميركيّة – تركيّة – خليجيّة جدّية تقول بتوظيف لبنان في دور "يستطيع تحمّله في خدمة الربيع السوري"، إن باستقبال أفواج النازحين، أو بإيواء بعض رموز المعارضة، أو بتقديم تسهيلات لوجستيّة: سلاح، ذخيرة، مخيّمات استراحة للمقاتلين، ومستشفيات ميدانيّة…، إلّا أنّ الدول الأوروبّية المشاركة في قوات "اليونيفيل"، وقفت بقوّة ضدّ هذه الفكرة، ومن منطلق: "إذا كانت هناك استحالة في مجلس الأمن الدولي بتطبيق النموذج الليبي على سوريا، فلماذا التضحيّة بلبنان؟

ولأيّ سبب يفترض تحميله عبئاً أكبر من قدرته على احتماله؟!"

ثانياً: إنّ النظرة الأوروبّية إلى لبنان كانت تربط دائماً ما بين "الدور والإمكانات"، وما بين "الوظيفة والسيادة"، بمعنى إذا كان مطلوباً من لبنان أن يلعب دوراً ما بأيّ تفصيل عربي – شرق أوسطي، كان ينظر دائماً إلى التداعيات التي قد يتركها على نسيجه الاجتماعي – السياسي – الطائفي- المذهبي الداخلي.

وعندما كانت تجري محاولات "لتكليفه" (بوظيفة غير وظيفته الطبيعيّة مع الإجماع. وعلى الحياد عند الاختلاف)، كان ينظر فوراً إلى المخاطر التي قد تترتّب على سيادته، ووحدته، وسلمه الأهلي. الأوروبّيون يشخّصون الداء جيّداً: "مشكلة لبنان، هي مشكلة الدور والموقع، وعندما يتفاهم اللبنانيّون على أيّ لبنان يريدون، وأيّ موقع، ودور، ووظيفة لهذا اللبنان، تحَلّ مشكلة النظام، أو ما يسمّى بالإطار الدستوري – القانوني الذي يفترض أن يحكم العلاقة ما بين 18 مجموعة حضاريّة تنتشر على مساحة 10452 كيلومتراً مربّعا؟!"

ثالثاً: يؤكّد الأوروبّيون أنّ سياسة "النأي بالنفس" لم تعد شعار الرئيس ميشال سليمان، وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بل أصبحت تشكّل بعد زيارة فيلتمان وبرقيّة الملك عبدالله بن عبد العزيز، بداية مسار يحظى بدعم أوروبّي – دولي لحماية الوحدة الوطنية. وبعد الإنجاز المخابراتي المدبّر الذي أفضى إلى اكتشاف الباخرة "لطف الله -2"، جرت إضافات على هذا الحدث، وتناقلت وسائل الإعلام في ما بعد كلاماً عن وجود عناصر "قاعدة" في لبنان، وتهريب سلاح ومسلّحين، ونقل الصراع السوري إلى طرابلس، ومنها إلى عكّار، ومناطق لبنانيّة…

وربّما هناك إضافات جديدة أيضا قد تكون على جانب من الخطورة تكمّل هذا المشهد، في نظر الأوروبّيين، ويمكن أن تؤدّي إلى حسابات جديدة، ونتائج تغيّر من معادلة الصراع السياسي المحلي، وتأخذ لبنان نحو منحى جديد خطير. وتلافياً لذلك، يتصرّف الأوروبّيون وفق الآتي: "بين الدور والسيادة، الأوروبّيون مع السيادة".

وما بين "الدور، والنظام السياسي"، الأوروبّيون مع التفاهم أوّلاً على الدور، وكيف يجب النأي بالنفس؟، وكيف يمكن أن يكون لبنان حياديّاً، وعندما يتفاهم اللبنانيّون على أيّ لبنان يريدون، يسهل التفاهم على نظام يرتضونه لحماية هذا الدور وتحصينه". وإذا كان الأوروبّيون ضدّ "دويلة حزب الله الشيعيّة، وسلاحها"، فهم قطعاً ضدّ "دويلة سنّية سلفيّة مسلّحة في الشمال"، وإذا كان القرار1701 قد رسم خطّاً أزرق في الجنوب، فإنّ قراراً مماثلاً قد يرسم خطّاً أزرق حدوديّاً من الشمال حتى عرسال. إذا ما تطوّرت الأوضاع، واستوجبت المستجدّات.  

السابق
التركيز على ما بعد الأسد!
التالي
عميد الصحافة اللبنانية… في ذمة الله