واشنطن تفضّل بقاء الحكومة

لم تعد الجهود الدبلوماسية تُسابق العنف في الأزمة السورية. تلازمها وتتكيّف معها وتتوئمها. لا تخطو إلى الأمام وتتجاوزه، وتتوقع حلّاً سياسياً. كلاهما يكمّل الآخر ويفضيان إلى خلاصة غامضة: خطة البنود الستة باقية، والنظام ومعارضوه باقون، لكن سوريا في المهب

أفصح تلاحق المواقف الأميركية والروسية من الأزمة السورية، في الأيام الأخيرة، عن استمرار المأزق الدولي حيالها في موازاة تواصل العنف. لم يتزحزح أي من القوى الكبرى التي تقف وراء طرفي النزاع، النظام ومعارضيه، عن مقاربتها للاضطرابات هناك، وآلية الحلّ الذي تريده بلا الرئيس بشّار الأسد تارة، وفي ظلّه طوراً. لا أحد من القوى الكبرى قادر على تعويم خطة الموفد الدولي _ العربي كوفي أنان لإنهاء دورة العنف ومباشرة الحوار السياسي، ولا على التخلي عنها من دون بديل.
كذلك الأمر بالنسبة إلى طرفي النزاع الداخلي: يتذرّعان بالتمسّك بخطة أنان، لكنهما يحتكمان إلى العنف وحده لحسم صراع أُفلِتت السيطرة عليه من أيديهما.
واقع الأمر، وفق ما رصدته معلومات دبلوماسية وصلت إلى مسؤولين رسميين لبنانيين، أن العجز الدولي الذي ثبّت توازن القوى قي سوريا، وأدخلها في استنزاف طويل، أضحى صورة مكمّلة لموجات العنف.
في عرضها الموقف الأميركي، أبرزت المعلومات الدبلوماسية الآتي:

1 _ يرى المسؤولون الأميركيون أن الوضع القائم في سوريا مرشح لمزيد من التدهور، وهو سيسوء أكثر من ذي قبل. الأمل في تجاوز هذا التردي ضعيف للغاية أيضاً، في ضوء التشدّد الذي لمسته الإدارة في مواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واستمرار دفاعه عن نظام الأسد. في ظلّ إصرار موسكو على رفض إسقاط الأسد بالقوة أو إرغامه على التنحّي، لا تملك الدول الكبرى آلية واضحة وجديدة لفكرة التقى عليها الأميركيون والروس معاً في الأيام الأخيرة: عندما قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إن تنحي الأسد ليس شرطاً مسبقاً للتسوية، وعندما نفى نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف شرط بقاء الرئيس السوري في السلطة بعد انتهاء العملية السياسية.
يجتمع الموقفان على أولوية التسوية منهما على الموقف من الأسد. بيد أن افتراقهما الجوهري أن موسكو تنظر إلى هذا المخرج على أنه من صنع السوريين وحدهم موالين ومعارضين، بينما تعتقد واشنطن بأنه حلّ ضروري لضمان انتقال السلطة إلى المعارضة التي يمثلها المجلس الوطني السوري. كلا التفسيرين لا يفضي إلى حلّ، ويُبقي واشنطن وموسكو على طرفي نقيض من الأسد وآلية التسوية.
في النطاق نفسه، تورد المعلومات الدبلوماسية إياها أن الأميركيين باتوا على ثقة بأن التحدّث مع بوتين لن يغير في موقفه من حليفه الرئيس السوري، كما أن احتمال تغيّر الموقف الروسي قد لا يؤدي حكماً إلى وقف القتال. بل تذهب الإدارة في الظنّ إلى أن موقفاً روسياً يرضيها لم يعد كافياً لتوقع إطاحة الأسد أو تنحّيه.

2 _ يراقب الأميركيون الموقف الإسرائيلي الذي يشير إلى بقاء الأسد في منصبه مدّة غير محدّدة. وهو ينطلق من تقويم إسرائيلي مفاده أن العلويين الذين يشكّلون 12 في المئة من الشعب السوري، يمثلون نسبة ضئيلة قياساً إلى امتلاكهم قوة قادرة على تهديد الأفرقاء الآخرين. إلا أنهم يمثلون أيضاً قوة مانعة وصادمة كبيرة للحؤول دون أي تغيير في النظام. وهم بذلك قادرون على عرقلة هذا التغيير والوقوف في طريقه.
إلى ذلك، يحتفظ الجيش الإسرائيلي بخبرات واسعة عن تجربة اصطدامه بالجيش السوري في ظلّ نظام الرئيس حافظ الأسد أكثر من مرة. وهو يضفي على هذه التجربة احتراماً وتقديراً لأدائه القتالي، بمعزل عن القدرات والإمكانات التي يملكها.

3 _ يلاحظ بعض المسؤولين في الإدارة أن تركيا تطلب من واشنطن أكثر ممّا تبدو هذه متحمّسة لحمل وزره في الأزمة السورية، وهو أن تكون قائدة حملة المواجهة مع نظام الأسد. بدورها واشنطن تعتقد بأن على تركيا تولي هذه القيادة. ويتحدّث هؤلاء المسؤولون عن اتفاق داخل الإدارة الأميركية على دعم واشنطن أي جهد يمكن أن تبذله أنقرة من أجل ضمان ممرّ إنساني أو منطقة عازلة للمعارضة السورية لا تصلح إلا عند الحدود التركية _ السورية.
ويقول الأميركيون إن أحداً لا يسعه ضمان أمن هذا الممرّ أو المنطقة العازلة سوى تركيا بتوفير مظلّة جوّية لها للحؤول دون اعتداء الجيش السوري عليها، وتسهيلاً لحركة النازحين وتحرّك المعارضة. مظلّة جوّية كهذه يمكن أن تكون مباشرة من خلال سلاح الجوّ التركي، أو غير مباشرة عبر القاعدة العسكرية الأميركية في الإسكندرون. يعكس هذا الموقف اعتقاداً أميركياً بأن الحدود اللبنانية _ السورية لا تصلح لمهمة كهذه، ما دام ليس في إمكان لبنان توفير غطاء جوّي للممرّ الإنساني.
في المقابل، وفق المعلومات الدبلوماسية نفسها، يقول المسؤولون الأميركيون إن تركيا تنظر بترقب لا يخلو من الخوف والحذر إلى تمدّد الاضطرابات في سوريا إلى «أترك الجبل» _ وهم الأكراد _ والخشية من أن يؤدي انهيار الدولة والنظام في هذا البلد إلى نشوء كردستان سورية، مشابهة لكردستان العراق. وإذ تحاول أنقرة تقبّل فكرة كردستان العراق والتعايش معها، إلا أن توقع كردستان سورية عند حدودها يتحوّل كابوساً فعلياً لها.

4 _ لا تخفي واشنطن اهتمامها بالاشتباكات الأخيرة في طرابلس، وقلقها من تداعياتها على الاستقرار في ضوء حصيلة بضع ساعات أفضت إلى 15 قتيلاً وعشرات الجرحى. إلا أنها اطمأنت إلى عدم امتداد أحداث طرابلس إلى أجزاء أخرى من لبنان، وخصوصاً إلى منطقة أخرى من الشمال (عكّار) شهدت قبل أسابيع توتراً. مع ذلك تخشى من تأثر لبنان بتدهور الحال في سوريا، بل من تأثر الأردن بها، لكنها تلاحظ أن شمال لبنان صار يضجّ بالسلاح.
تتناول المعلومات الدبلوماسية كذلك الموقف الأميركي من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وترى أن تستمر في السلطة رغم الضغوط التي تجبهها بها قوى 14 آذار لحملها على الاستقالة وإحلال حكومة تكنوقراط محلها. إلا أن واشنطن تفضّل أن يكون آخر ما يحتاج إليه لبنان في الوقت الحاضر، وخصوصاً بإزاء ما يحدث في سوريا، هو عدم الاستقرار الذي يمكن أن يتولّد من استقالة حكومة ميقاتي أو تعذّر تأليف حكومة تخلفها.
وفي إشارة ضمنية إلى قوى 14 آذار، يقول المسؤولون الأميركيون إنهم مطمئنون إلى أن اللبنانيين يتفهّمون الأسباب والظروف الملحّة لحماية استقرار بلدهم.

5 _ في 19 حزيران تخلف بيث جونسون مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، وتتسلّم منصبه. وهي ذات خبرة مخضرمة في شؤون الشرق الأوسط.  

السابق
ضغوط لمحو السجل
التالي
نازحون أو لاجئون؟