لو كنت إسرائيلياً منزعجاً

أكد قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، اللواء يائير غولان، خلال كلمة ألقاها قبل أيام في معهد بيغن ــ السادات، لمناسبة مرور ثلاثين عاماً على الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 1982، أن بمقدور الجيش الاسرائيلي أن يلحق «هزيمة نكراء بحزب الله». وحاول إفهام مستمعيه من الاسرائيلين أن «لحزب الله القدرة على إزعاج الجيش الاسرائيلي، لكن ليس إيقافه»، في أي حرب مقبلة.
وكلام غولان، وإن كان يتساوق مع آمال الاسرائيليين وتطلعاتهم، لكنّ لسان حالهم يقف كثيراً أمام «الإزعاج» المعبّر عنه، إزاء حزب الله: ما هو مستوى الإزعاج، وهل يبرر القلق والحيرة والخشية من الحرب؟ ولسان حال الإسرائيليين، في أعقاب كلمة غولان، يمتلئ بالأسئلة الآتية: لو كانت إسرائيل، منزعجة (لا أكثر) من حزب الله، فما الذي يدفعها كي تحصن إلى حدود السماء المنشآت الحيوية والاستراتيجية، من الشمال الى الجنوب، بدءاً من المنشآت والقواعد العسكرية، وصولاً الى المنشآت والاماكن المدنية، وشبه المدنية، بما يشمل المرافئ والمطارات ومحطات توليد وتوزيع الطاقة، والوزارات والمؤسسات على مختلف أنواعها وفروعها؟

لو كانت إسرائيل، منزعجة (لا أكثر) من حزب الله، فما الذي يدفع الجيش الاسرائيلي للعمل على إيجاد بدائل من القواعد العسكرية، ومن بينها المطارات ومراكز تجنيد الاحتياط، وما الذي يدفعها إلى تغيير طرق الامداد ووسائل الاتصال العسكرية، لأنها من المؤكد، إسرائيلياً، أنها ستكون أهدافاً قابلة للتعطيل؟ ما الذي يدفعها كي تجد أمكنة وبدائل من القواعد العسكرية، تبقى سرية، انطلاقاً من فرضية مستحكمة لدى الجيش الاسرائيلي، أن كل القواعد، على أنواعها المختلفة، ستدمر في الحرب المقبلة مع حزب الله؟
لو كانت إسرائيل منزعجة (لا أكثر) من حزب الله، فما الذي يدفع وزير الجبهة الداخلية متان فيلنائي للتأكيد، وأمام جمع من المراسلين الأجانب، أن مبنى وزارة الدفاع في تل أبيب لن يبقى في الحرب المقبلة مع حزب الله…؟ ما الذي يدفع المؤسسة الامنية الاسرائيلية إلى بناء ملجأ محصن تحت الأرض بديلاً من مبنيي وزارة الدفاع وقيادة هيئة الاركان، المفترض إسرائيلياً أنهما سيدمران في الحرب المقبلة مع حزب الله. بل وأكثر من ذلك، أن تكتشف إسرائيل لاحقاً أن الملجأ المحصن البديل، تحت الارض، غير قادر على الصمود امام القدرة التدميرية التي باتت في حوزة المقاومة، وبالتالي أن تعمل على البحث من جديد عن بديل للبديل؟

لو كانت إسرائيل منزعجة (لا أكثر) من حزب الله، فما الذي يدفع رئيس أركان المؤسسة العسكرية السابق غابي أشكينازي، المعروف بصمته شبه المطلق حيال حزب الله خلال فترة ولايته، إلى أن يؤكد، ولثلاث مرات في مناسبات مختلفة، أن حزب الله غير قادر على احتلال شمال إسرائيل؟ (وليس احتلال إسرائيل لجنوب لبنان) ألا يفترض بالتأكيد المتكرر أن يأتي رداً على تساؤلات؟ لو لم تكن التساؤلات قائمة، والقلق عارم، ومحفوران في الوعي الإسرائيلي، فما لزوم التأكيد والرد؟
لو كانت إسرائيل منزعجة (لا أكثر) من حزب الله، فما الذي يدفع الخبراء وتقارير الوسائل الاعلامية على اختلافها إلى تأكيد أن فرار الاسرائيليين في الحرب المقبلة لن يكون ممكناً، فليس هناك من مكان آمن للفرار اليه، بل لا يمكن الفرار الى خارج إسرائيل، مع فرضية أن مطار بن غوريون في مدينة اللد لن يبقى صامداً أمام صواريخ حزب الله؟ لو كانت إسرائيل منزعجة (لا أكثر) من حزب الله، فما الذي يدفع الجيش الاسرائيلي إلى تغيير بناء القوة العسكرية وتفعيلها بما يرتبط بالحرب المقبلة؟ وما الذي يدفع الى محاولة تحصين المدرعات والآليات العسكرية، وإيجاد بدائل من الجنود في الحرب البرية (الروبوتات)، وتفعيل النار عن بعد هرباً من المواجهة العسكرية المباشرة مع المقاومة؟ لو كانت إسرائيل منزعجة (لا أكثر)، فما الذي يمنعها من أن تبادر الى إنهاء مصدر إزعاجها؟ وما الذي يكبح ويردع عن فعل ذلك، طوال السنوات الماضية؟

وأخيراً، لو كانت إسرائيل منزعجة (لا أكثر) من حزب الله، فما الذي يدفع المؤسسات الاعلامية العبرية والمؤتمرات المتوالية والمتعاقبة لأهم مراكز الدراسات والابحاث في إسرائيل للاشتغال بتهديد حزب الله، وكيفية مواجهته؟ بل ما الذي يدفع بخبراء الحرب الاسرائيليين ليستخلصوا أن النجاح في الحرب المقبلة مع حزب الله هو في أن تمنع تل أبيب نشوبها؟ وما الذي يدفع قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي، يائير غولان، كي يقف ساعات أمام مؤتمر معهد بيغن ــ السادات، ليؤكد أن الجيش الاسرائيلي، الموصوف بأنه أقوى جيش في المنطقة، مع أقوى سلاح جو في المنطقة، مع أهم وأكثر وسائل قتالية متطورة في المنطقة، قادر على هزيمة حزب الله في الحرب المقبلة؟  

السابق
الحكم الواثق بنفسه
التالي
سجّل انتشار للجيش اللبناني في محيط بلدة عرسال