صيدا… هل هي مدينة سياحية؟

هل يمكن القول أن مدينة صيدا، مدينة سياحية؟ إذا كان المكان الذي يزخر بالعديد من الآثارات، على مر المراحل التاريخية، يمكن أن يشكل معلماً سياحياً. فهذا ينطبق على مدينة صيدا. أما إذا كان المقصود وجود صناعة سياحية لا يتكامل عندها المكان والخدمات والمستوى الاجتماعي والاهتمام الرسمي واحترام الحرية الفردية وخصوصية الفرد الزائر والمقيم، عندها لا يمكن أن نصفها بالمدينة السياحية.

تاريخ صيدا

فصيدا، شهدت تاريخاً حافلاً يمتد من العصر الشالكوليتي الذي اكتشفت فيه المعادن حتى أيامنا هذه، فمرت بحقبات تاريخية عديدة، فصيدون الفينيقية، صيدا العربية، وساجيت الصليبية، مدينة واحدة جعلها الأمير فخر الدين الثاني العاصمة الشتوية لإمارته. وقد انعزلت داخل أسوارها التاريخية حتى نهاية القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين شهدت تغيرات كبيرة بفعل التقدم وزلزال 1956 والحرب الأهلية وكلها عوامل دفعت أهلها للخروج من داخل الأسوار والتمدد خارجها.

البلدية

بداية سألنا بلدية صيدا عما يمكن أن تنصح أي سائح بزيارة اي مكان أو المرور به عند حضوره إلى صيدا؟ وكان الجواب أن لا جهة بلدية تهتم بهذا الموضوع، ولا يوجد أي دليل سياحي مكتوب يمكن أن يقدَّم للزائر. مما اضطرنا للبحث عن بعض الخرائط السياحية للمدينة.

المعالم التاريخية

في صيدا قلعتان تاريخيتان : الاولى القلعة البرية من الحقبة الصليبية والتي لم يبق منها إلا القليل وهي بحاجة إلى تنظيف وترميم. تمر بقربها فتشعر بالاهمال الذي تحظى به القلعة. أما القلعة البحرية فهي من الحقبة نفسها، ولا تجد مسؤولاً عنها سوى ذلك الموظف الذي يتقاضى منك أجرة الدخول لمعاينة بناءٍ حجريٍ كبير بناه الصليبيون وأضاف إليه المعنيون جامعاً صغيراً يعلو البناء، وعلى الجسر الذي يربط القلعة بالمدينة كان هناك عدد من المدافع العثمانية التي سرقها الاسرائيليون عندما احتلوا المدينة عام 1982.

الخانات

وفي المدينة ستة خانات تاريخية وهي : خان الإفرنج، خان الرز، خان الشاكرية، خان حمود، خان القيصرية وخان السراي. أهمها هو الأول. ويختلف المؤرخون في الجهة التي بنته، فالبعض يقول أن الأمير فخر الدين الثاني بناه، ورواية أخرى تقول أن الوالي العثماني في دمشق بناه وأعطاه للأمير فخر الدين. تملكه حالياً الدولة الفرنسية وقد استأجرته مؤسسة الحريري وتستخدمه مركزاً ثقافياً. تدخل الخان وتخرج من دون أن يهتم بك أحد أو يشرح لك تاريخ الخان ودوره منذ بنائه. السؤال المعتاد : ما هي جنسية ضيوفك الأجانب وما هو عدد أفراد الوفد الزائر؟
ولا توجد أي خطة لتأهيل الخانات الأخرى وتحويلها إلى أماكن سياحية. ويدور الحديث عن تمويل إيطالي لتأهيل خام حمود ليكون مركزاً للصناعات الحرفية ليس أكثر.

أماكن العبادة

وفي صيدا عشرة جوامع وخمس كنائس مسيحية وكنيس يهودي. أقدم الجوامع، هو الجامع العمري الكبير، والذي يقال أنه بني عند الفتح الاسلامي. ومعظم الجوامع بني في القرنين السادس عشر والسابع عشر. تعرض بعضها للتدمير عند الاجتياح الاسرائيلي وتم ترميمه بعد ذلك. وهناك كنيسة الروم الأورثوذوكس وهي من أقدم الكنائس في المدينة، وتجد قربها غرفة، تقول الرواية المسيحية أن بطرس وبولس قد اجتمعا فيها. وقد تم تقسيم الكنيسة إلى قسمين عند الانشقاق بين الروم الكاثوليك والروم الاورثوذوكس في القرن الثاني عشر. ولا يزال مبنى الكنيسة مقسماً حتى الآن.
اما الكنيس اليهودي فهو مقفل منذ زمن بعيد، وقد اقترحت على أحد رؤساء البلدية ترميمه وتأهيله وفتحه لاستقبال الزوار، أجابني: هل تريد أن يتهمني البعض بمحاباة اليهود؟

وفي صيدا القديمة عدد من الحمامات العمومية التي بنيت أيضاً في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
الأول هو حمام المير وهو حمام بني قرب خان الافرنج وجامع البحر على حدود المدينة القديمة ليستخدمه التجار الأوروبيون وأهل البلد من غير الصيداويين، كي لا يختلطوا مع أهل المدينة في الحمامات الأخرى. وقد دمر الحمام عند الإجتياح الاسرائيلي، وتستخدم أرضه الآن احدى المؤسسات الأهلية غير الحكومية.

أما حمام الجديد، فقد تحول إلى مشغل نجارة والآن يُعمل على تأهيله ليتحول إلى مركز سياحي. وحمام الشيخ ما زال يعمل حتى الآن بشكل دائم في حين أن حمام الورد يعمل بشكل جزئي. أما حمام السبع بنات فقد تحول إلى فرن منذ أواسط القرن الماضي.

منازل أثرية

وتحوي المدينة عدداً من البيوت الأثرية بيلغ عددها 13 منزلاً. وباستثناء متحف الصابون، لا يوجد أية خطة لتحويل هذه البيوت إلى مراكز سياحية يمكن زيارتها بشكل رسمي، كما تحوي المدينة عدداً من المقاهي الشعبية التاريخية والساحات والحدائق الداخلية وعلى حدود المدينة القديمة وبمواجهة البحر تنتشر المقاهي والمطاعم التي تستقبل الزوار ومعظمهم من اللبنانيين أو المقيمين في لبنان.
ويوجد في المدينة فندقان لاستقبال الزوار والسياح، الأول فندق القلعة وهو مواجه للقلعة البحرية والآخر فندق يعقوب. إلا أن خدماتهما تبدومتدنية حسب آراء من استخدمهما من أجانب ومواطنين عرب.

خارج المدينة

وفي السنوات الأخيرة أقيم في المدينة مجمعان تجاريان ضما عدداً من المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم وتحولا إلى مركزين يقضي بهما الزائر أوقاتاً طويلة.

الوضع الاجتماعي

شهدت المدينة القديمة، وخصوصاً في الفنرة الأخيرة، تفشي ظاهرة استخدام المخدرات، بالإضافة إلى إشكالات ونزاعات بين الشباب، مما يُقلل من إقدام الزوار على دخولها. أما الشاطئ البحري المهم للمدينة وجزيرة الزيرة وهما مكانان رائعان لقضاء أوقات ممتعة في السباحة، فقد تحولا إلى مكان يرتاده أهالي المدينة فحسب، بعد قيام البعض بمنع النساء من ارتداء لباس البحر و الجميع من شرب الكحول.

ولا يوجد لدى الهيئات الرسمية أية خطة سياحية لتطوير البنى التحتية وتطوير مفاهيم المجموعات الاجتماعية المقيمة وإطلاعها على أهمية تطوير السياحة لتشكل مدخلاً أساسياً لأهالي المدينة.
بعد كل ذلك فهل يمكن القول أن صيدا مدينة سياحية؟

السابق
تحديث الإنترنت عالمياً الليلة
التالي
جوائز (أم تي في) للأفلام