حل غائب لوجه طرابلس الحقيقي

طرابلس في حداد وإضراب، من حيث يليق بها الفرح والعمل. الفرح النابع من روح الاخوة فيها وعمق ابداعها الثقافي وقوة مواقفها الوطنية. والعمل الذي يبرع أبناؤها في كل فنونه الحرفية. فهي في حداد، لا فقط على ضحايا العنف بل أيضاً على موت السياسة في لبنان. وفي اضراب، لا فقط رفضاً للحرب العبثية المفروضة عليها بل أيضاً لتزوير هويتها وتشويه ماضيها وحاضرها وقطع الطريق على مستقبلها.

ذلك أن المجتمع المدني في طرابلس هو الوجه الحقيقي للمدينة ونبض الحياة فيها. ومن حقه أن يغضب على المحاولات المبرمجة لتغطية الوجه الحقيقي بثلاثة أنواع من الأقنعة: قناع سياسات أضيق من الزواريب. قناع سلاح خطير لا لزوم له ومسلحين خطرين لا عمل لهم وسط البطالة والفقر والحرمان سوى اطلاق النار عندما يطلب الذين يوظفونهم. وقناع قندهار على شاطئ المتوسط حيث الانفتاح، في حين أن أفغانستان تحاول نزعه.

وليس في طرابلس شيء غامض. فالكل يعرف مَن يمول ويسلح كل فريق من المسلحين. والكل يعرف من اللعبة في الداخل والخارج كيف يبدأ التراشق بين باب التبانة وجبل محسن في مواعيد دورية لتبادل الرسائل عبر البريد الدامي. وكل ما في السيناريو يتكرر: مأساة التقاتل، مهزلة رفع الغطاء السياسي عن المسلحين، دعوة الجيش الى الضرب بيد من حديد، في حين أن يد السلطة السياسية من فخار، وعودة الهدوء موقتاً من دون أي تغيير في الوضع.
والأخطر هو التكيف مع هذا الوضع الذي يراه البعض حديقة خلفية لمعركة النظام السوري، ويراه البعض الآخر جبهة أمامية في المعركة مع النظام السوري، وهو في الحالين مشكلة للبنان. فليس للوضع حل سياسي في الإطار الوطني. وليس له حل أمني كامل. فمن يرفع الغطاء السياسي عن المسلحين هو مَن يضعه، ويكون بالتالي مسؤولاً عن التقاتل. ومَن يقبل بقاء الأسلحة والمسلحين من دون الدخول العملي في تحقيق طرابلس منزوعة السلاح يتصرف كأن حرب لبنان مستمرة وكأن من حق أي طرف أو طائفة التسلح وخوض المعارك بدل أن يكون ذلك جريمة ضد القانون وهيبة السلطة.

والسؤال هو: هل نحن عاجزون عن الحل أم راغبون في اللعب بالأزمة لتحقيق أهداف صغيرة؟ والمسألة ليست أن نرمي كرة النار في يد الجيش ثم نتفرج، بدل أن نعالج الأسباب سياسياً واجتماعياً. فالجيش هو العمود الأساس للبلد، لا بل العمود الأخير. والتهجم على الجيش وقائده الشجاع العماد قهوجي هو وصفة لكي يفقد لبنان آخر ضمان للاستقرار، ما دامت التركيبة السياسية تتحدث عن استقرار ليس من صنعها وتمارس الشحن الطائفي والمذهبي.   

السابق
سمكة داخل رئة طفل
التالي
سلهب: كل ما جرى يدل على فشل المحاولات الممكن أن تؤدي الى حرب طائفية