الجانب الأخطر في الأزمة السورية

لعلّ الجانب الأخطر في الأزمة السورية انكشاف البلد امام الانقسام المذهبي والطائفي الذي حاول النظام القائم منذ ما يزيد على اربعة عقود تغطيته عن طريق الشعارات الفضفاضة والفارغة، من نوع الممانعة، احيانا والهرب الى لبنان والمتاجرة بفلسطين والفلسطينيين دائما وابدا. لم يعد من كلام بعد مجزرة الحولة القريبة من حمص سوى عن الشرخ المذهبي والطائفي الذي يستعين النظام به حاليا لمتابعة عملية الهروب الى الأمام.
هذا هو للاسف الشديد الواقع الذي بلغته الازمة السورية في ظل نظام يرفض الاعتراف بانه انتهى وان نهايته يجب الا تعني في الضرورة نهاية سورية بكيانها الحالي. هذا الكيان في اساس الازمات المتلاحقة التي كلّفت السوريين الكثير وكادت ان تقضي على المجتمع السوري الغني بتنوعّه وثقافته وعلى المهارات الفردية للسوريين وتفوقهم وقدرتهم على الصبر والثبور.
لا شيء يعيد عقارب الساعة الى الخلف سوى اعتراف النظام بانه انتهى والاعداد السريع لمرحلة انتقالية يعيد فيها السوريون ترتيب اوضاع بلدهم بعيدا عن اي نوع من الهيمنة لطائفة على اخرى. فاذا كان من أزمة طائفية ومذهبية، فانّ هذه الأزمة في سورية وليس لبنان…

لا بديل من العودة الى سورية الطبيعية، اي سورية بصفة كونها الدولة التي تهتم بشؤونها الداخلية وتعترف بأنّ عليها الانصراف الى مشاكلها الضخمة التي تفاقمت مع الزمن بسبب رفض النظام الاعتراف بها تمهيدا لمعالجتها. على رأس هذه المشاكل المشكلة المذهبية والنمو السكاني العشوائي وهبوط مستوى التعليم وتحوّل الدولة الى ربّ العمل الاكبر في البلد.
هل لا يزال هناك أمل في انقاذ سورية… ام ان الرئيس بشّار الاسد يعتبر ان مجرد انكاره للواقع والعيش في عالم خاص به يغنيه عن التحرك بسرعة في اتجاه التنحي بطريقة حضارية مستفيدا من التجربة اليمنية.
في كلّ يوم يمرّ يزداد الخطر على سورية. في كلّ يوم يمرّ تزداد مخاطر الحرب الاهلية. في كلّ يوم يمرّ يتوسع الشرخ الطائفي والمذهبي الذي لا يزال في الامكان تجاوزه في حال رحيل العائلة الحاكمة عن سورية. في النهاية ان بشّار الاسد ضحية نظام وجد نفسه على رأسه من دون ان يطرح على نفسه سؤالا في غاية البساطة يتعلّق بالشرعية. ما هي الشرعية التي يمتلكها النظام القائم منذ العام 1963، تاريخ وصول حزب البعث الى السلطة عن طريق انقلاب عسكري؟
هل الشرعية الحزبية أساس لأيّ شرعية من ايّ نوع كان؟ هل هناك شرعية مستمدة من انقلاب عسكري تلته عملية تصفية للقيادات السنّية في الجيش تلتها تصفية للقيادات الدرزية وحتى الاسماعيلية؟ هل من شرعية لطائفة معيّنة ثم لعائلة محددة تسيطر على السلطة والمرافق الاقتصادية وتوزع بعض المغانم على تجار دمشق وحلب وبعض ممثلي الاقليات؟

هل من شرعية لنظام يغطي نفسه في الداخل بالعلمانية والعروبة فيما يركّز في الخارج، خصوصا في لبنان، على تسليح احزاب مذهبية وطائفية؟
كان طبيعيا وصول النظام السوري الى ما وصل اليه، اي الى ارتكاب مجزرة الحولة. ما نشهده حاليا عملية تطهير عرقي في غاية الخطورة مسرحها حمص والقرى والبلدات المحيطة بها. يترافق ذلك مع محاولات واضحة لإثارة كلّ انواع القلاقل في لبنان مع تركيز على منطقة عكّار ومدينة طرابلس.

ما نشهده حاليا يندرج في التسلسل الطبيعي للامور. كانت هناك حاجة للنظام السوري في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد كي يلعب ادورا معيّنة. من بين هذه الادوار ايجاد توازن مع نظام البعث في العراق حيث كان هناك حاكم لا حدود لطموحاته ولقدرته على الدخول في مغامرات اقلّ ما يمكن ان توصف به انها غير محسوبة النتائج. كذلك، كانت حاجة الى الدور السوري لضبط المسلحين الفلسطينيين وابقاء القيادة الفلسطينية اسيرة الأزقة العربية بدل الانصراف الى تحقيق الهدف الكبير المتمثل في اقامة الدولة المستقلة. ولذلك، كان حافظ الاسد يعتبر القرار الفلسطيني المستقل الذي تمسّك به ياسر عرفات حتى لحظة وفاته مجرد «بدعة».
ارتكب النظام السوري الخطأ القاتل المتمثل في انه حسب انه اصبح لاعبا اقليميا. لم يفرّق يوما بين استخدامه في لعب ادوار اقليمية وبين ان يكون لاعبا اقليميا. لم يستوعب انه كان مسموحا له بلعب لعبة الغاء الآخر عندما كانت هناك حاجة اليه في الاقليم. هذه الحاجة انتهت في مرحلة ما.

لهذا السبب، اضطر الجيش السوري الى الانسحاب من لبنان بعدما انتفض اللبنانيون في وجهه اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005. الى الآن، لم يفهم النظام السوري لماذا كان عليه مغادرة لبنان والانصراف الى مشاكله الداخلية التي ليس معروفا لا اين تبدأ ولا اين يمكن ان تنتهي. وهكذا، نراه متمسكا بالحل الامني القائم على فكرة الغاء الآخر. حسنا، ألغى رفيق الحريري، ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة الوحيدة ان النظام صار اكثر من اي وقت اسير ايران، اكان ذلك في لبنان او داخل سوريا نفسها.
ليس امام النظام السوري سوى الرحيل اليوم قبل غد. ليس بعيدا اليوم الذي لن يجد الذين على رأس النظام ما يطرحونه على انفسهم سوى سؤال واحد: هل الحل اليمني لا يزال متاحا ام لا؟ الاكيد ان الخيار اليمني لا يعود خيارا لدى الايغال في لعبة سفك الدماء كما هو حاصل حاليا في حمص والمناطق القريبة منها. الاكيد اكثر من ذلك، ان استبعاد الخيار اليمني لا يبقي سوى خيار آخر هو مزيد من التباعد والتنافر والحروب بين الطوائف والمذاهب والمناطق السورية…

 

السابق
عن المقاوم سيمون (عفيف دياب)
التالي
ميقاتي باقٍ: لا استقالة