الحريري: لا حوار قبل التشاور مع الحلفاء

تُدرك قوى 14 آذار أنّ إقالة الحكومة أو استقالتها ليست في متناول اليد، بل تعترف بأنّها مسألة صعبة، لأنّ الوسائل اللازمة لتحقيق خطوة من هذا النوع غير متاحة، مع العلم أنّها حاولت مراراً منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري ولم تنجح، ثمّ راهنت على المتغيّرات الجارية في المنطقة عموماً، وعلى الأزمة السورية خصوصاً، لكنّ الحكومة لم تهتزّ.

استقالة الحكومة ليست في جيب رئيسها نجيب ميقاتي على حدّ ما روّج بعضهم وأشاع، ناسباً الأمر إلى بعض أهل البيت الحكومي، فالرجُل ليس في وارد الاستقالة، وردّه الأخير على "نواب بيروت" الذين دعوه إلى الاستقالة يؤكّد ثباته في موقعه على رغم ما تواجهه حكومته من عقبات وعثرات، مع العلم أنّ بعض حلفائه الأساسيين اتّهمه بأنّه، منذ تأليفها وحتى الآونة الأخيرة، "حكم باسم تيار المستقبل وحلفائه"، مستدلاً على ذلك بأنّ ميقاتي لم يتّخذ أيّ قرار أو تدبير كيدي ضدّهم على أيّ مستوى، داخل الإدارات العامة وخارجها، وحتى في الموقف السياسي لم يتّخذ أي خطوة سلبية أو جارحة مثلما اتّخذ خصومه ضدّه، وذلك على رغم إدراكه محاولاتهم الدؤوبة لعرقلة حكومته والتأليب عليه في بيئته، وكذلك بينه وبين بقية المكونات السياسية المؤتلفة معه أو بالعكس.

وعندما اندلعت الأحداث في طرابلس والشمال ووصلت إلى محلّة الطريق الجديدة في بيروت وبعض المناطق ودلّت على أنّ نار الأزمة السورية بدأت تقترب فعليّاً من "الهشيم اللبناني"، إذا جاز التعبير، تراءى لبعض "الآذاريين" أنّ إسقاط الحكومة بات قاب قوسين أو أدنى، فجاءت برقية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان التي حضّه فيها على الدعوة إلى الحوار، لتخفّض منسوب التوتر والتشنج وتوقف اندفاع البلاد نحو فتنة مستطيرة، خصوصاً أنّ البرقية لفتت في مستهلها إلى أنّ أحداث طرابلس تستهدف "إحدى الطوائف الرئيسة التي يتكوّن منها النسيج الاجتماعي اللبناني".

وإذ تنوعت التفسيرات التي أعطيت لهذه البرقية فإنّ بعض قوى 14 آذار ارتبك إزاءها، والبعض الآخر امتعض، لكنّه أقر ضمنياً بأنّه لا يمكنه في النهاية معاكسة رغبة الملك عبدالله في انعقاد الحوار اللبناني ـ اللبناني، وبعض ثالث رحّب بالحوار لكنّه طرح بعض الشروط، في حين تلقفت قوى 8 آذار وحلفاؤها الرغبة الملكية السعودية وأعلنت استعدادها للمشاركة في الحوار بلا قيد أو شرط، على حدّ ما عبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وآخرون…

وإذ اندفع رئيس الجمهورية في مشاورات تمهيدية للحوار بعدما حدّد موعده في 11 حزيران الجاري، صدرت عن بعض أفرقاء 14 آذار مواقف تعارض الحوار وتعتبره مضيعة للوقت مطالبة بتشكيل "حكومة حيادية" تشرف على الانتخابات النيابية في ربيع السنة المقبلة، ومكرّرة شروطها أن ينحصر الحوار في موضوع السلاح في حال انعقاده، وذهب بعض الآذاريين إلى الحديث عن وجوب تأمين "قواعد سياسية" لهذا الحوار بعيداً من أيّ قواعد أمنية، بل ذهب إلى اقتراح تأجيله إلى حين توافر تلك القواعد السياسية.

وفي ظلّ اقتناع بدأ يتبلور يومياً لدى الرأي العام بأن طاولة الحوار ستنعقد، وبعدما بدا المشهد أنّ 8 آذار ستشارك فيه وأنّ 14 آذار ترفضه، شدّ رئيس الجمهورية الرحال لساعات أمس إلى جدة حيث قابل الملك عبدالله واضعاً هذا المشهد بين يديه. وتفيد المعلومات التي رشحت عن اللقاء أنّ سليمان سمع من خادم الحرمين الشريفين تشجيعاً كبيراً له على المضي في الدعوة إلى الحوار، وتأكيداً بأنّ المملكة ستقدّم كل الدعم اللازم لإنجاحه، وذلك انطلاقاً من إدراكها خطورة ما آل إليه الوضع اللبناني في ضوء الأحداث الأخيرة، وفي ظل تصاعد الأزمة السورية وما تتركه من انعكاسات عليه.

وفي هذا التشجيع الملكي السعودي على الحوار حرص سليمان قبيل عودته من جدة على الاجتماع بالرئيس سعد الحريري في حضور وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، لكنّه لم يحصل منه على جواب شاف على موضوع مشاركته مع حلفائه في الحوار، إذ استمهله الحريري مؤكداً أنّ قرار 14 آذار المشاركة من عدمها سيتخذ بالتشاور بين جميع مكوّناتها.

فغالب الظن أنّ الحوار سينعقد، والمدة الفاصلة عن موعده هي 9 أيّام، والجميع سيشاركون فيه، لكنّ بعضهم يتصرّف الآن وفق مقولة "ببكي وبروح".  

السابق
المشكلة لبنانية لا خليجية!
التالي
فليتشر: ليركز اللبنانيون على مصلحتهم