اعتذار من السيّد! هيهات هيهات

قبل الساعة الرابعة والنصف، من عصر أمس، كان دانيال كثير الحركة أمام مركز حملة «بدر الكبرى» في بئر العبد. كان يكثر النظر في الساعة، متأففاً من بطء حركة عقاربها، بانتظار حلول موعد كلمة السيد حسن نصر الله. دانيال، شقيق صاحب الحملة التي اختطف رجالها في سوريا، كان مزهواً بكلمة لنصر الله مسجلة على هاتفه الخلوي. ما انفك يسمعها أمس بصوت عال. رفع هاتفه ناحية أذن مراسل «المؤسسة اللبنانية للإرسال» ليسمعه نشيد: «دليل الروح سيدنا». بدا كمن يريد له أن يعرف ما للسيد من مكانة في الضاحية. دانيال كان مصراً على الالتزام بـ«تعليمة» عدم الحديث، في قضية المخطوفين تحديداً، مع وسائل الإعلام، لكن ثمة ما لم يستطع «بلعه». الخاطفون، الذين زعموا مسؤوليتهم، طلبوا من السيد أن يقدّم اعتذاراً، فما رأيك؟ يبتسم دانيال، ثم ترتسم على وجهه ملامح السخرية، ليقول: «يريدون من السيد أن يعتذر؟ هيهات هيهات. هؤلاء إما لا يعرفون السيد، ولا يعرفوننا أيضاً، وإما أنهم يعرفون لكنهم يريدون ابتزازنا. حسناً، ليفعلوا ما يريدون، ليبقوا المختطفين لديهم، ليفعلوا بهم أيّ شيء، لكن السيد لن يعتذر، بل نحن لا نقبل له أن يعتذر، مهما كان الثمن». يلفت دانيال إلى أنه، ومعه سائر عائلات المخطوفين، بعثوا برسالة إلى نصر الله، وفيها مناشدة له بعدم الاعتذار. يضيف الشاب: «هم يريدون بهذا الطلب أن يزرعوا الشقاق بين السيد وأنصاره، لكنهم واهمون… ما يجمعنا بالسيد أعمق من أن يفهموه. في حرب تموز، قبل 6 سنوات، كانت منازلنا تهدّم على رؤوسنا، وكنا نقدّم الشهيد تلو الآخر، ولم يكن يُسمع من أهل الضاحية سوى عبارة: فدا إجر المقاومة، وفدا إجر السيد».
في حي السلم، حيث مركز حملة الإمام الصدر، لا يختلف المشهد عن بئر العبد. فقط أعلام حركة أمل هنا أكثر عدداً. مركز هذه الحملة التي اختطف رجالها الستة، ومنهم رئيسها عوض ابراهيم، يقع في حيّ متواضع في مجمع «مدينة العباس». أمام المركز رفعت لافتة كبيرة، مزينة بالأعلام اللبنانية، وفيها سؤال عن «ذنب المختطفين»، ودعوة إلى إعادتهم سالمين. زوجة عوض تستغرب كيف يتوقع البعض من نصر الله أن يعتذر. تقول: «أصلاً لم نكن بحاجة إلى أن نبعث برسالة لرفض الاعتذار، نحن نعرف السيد وهو يعرفنا… من قدّم 1400 شهيد في حرب تموز، وبقي صامداً، هل سيتأثر بخطف 11رجلاً؟ خليهم يخيطوا بغير هالمسلة». حسين، شقيق رئيس الحملة، سأل: «على ماذا يعتذر السيد؟ أصلاً هو لديه ما يكفي من الشجاعة ليعتذر عند الخطأ، لكنه شكر النظام السوري على نقله السيدات، اللواتي أفرج عنهن، من حلب إلى بيروت. هل هذا خطأ؟ الظاهر أنهم لا يعرفون معنى الشكر وحفظ الجميل». موقف بقية نسوة المختطفين، الجالسات أمام مركز الحملة، إضافة إلى الرجال، لا يختلف عن موقف زوجة عوض. بعضهم لا يجد داعياً إلى الحديث في هذا الأمر: «انسَ يا رجل».
حلت الساعة السادسة وأطل السيد. لم يعتذر. لم يفاجأ أهالي المخطوفين. هم ما زالوا يثقون بالكلمة التي قالها لهم منذ البداية: «أبناؤكم أمانة في أعناقنا». دقائق ويجتمع الأهالي برئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية. لم يرشح جديد عن اللقاء، إذ، بحسب بعض الأهالي، أراد ميقاتي، بعد عودته من تركيا، وضعهم في آخر التطورات، والقول إن «الأمور إيجابية، والسعي مستمر وجدي للإفراج عن المختطفين». حضر اللقاء النائبان علي عمار وغازي زعيتر، لكنهما رفضا، بعد خروجهما، الإدلاء بأي معلومات جديدة. تمنيا فقط «المحافظة على سرية الإجراءات، بهدف الوصول إلى نتيجة من دون عراقيل».  

السابق
نعم.. الإسرائيليون يكرهون جيش كيانهم !!
التالي
إعجاز أنان