“نيرون”.. الكهرباء

تخطّى العونيون الخطاب السياسي العاقل والحوار المثمر بأشواط قد تتجاوز السنوات الضوئية.. وطارت مركبة وزير الطاقة وكل الطاقات جبران باسيل الفضائية خلال تلك السنوات فحطّت به على مجرّة أخرى، واختار الوزير من القرون ما يتناسب والعصر الحجري. أرادها أرضا خالية من أي حاجات أساسية، وأراد أن يقسِّم سكانها ويجزِّئ عمّالها.
هناك راح باسيل يُرهب الناس، يهدد، يحذر، يتوعد، يهمل الحقوق، ويميّز نفسه كوزير عن بقية العمال. فالغرفة التي يجتمع فيها لا يمكن أن تجمعه بلجنة من العمال، والشركات التي من المفترض أن يحرص على خدماتها تقطع كل صلة لها مع المواطنين.. أما الوزير فكشف عن عضلاته "المثالية" ووضع المياومين في شركة الكهرباء في مواجهة مع القوى الأمنية. ولا يتضمن هذا الكلام أي تحليل، ردّد أحد العمال مكررا ما قاله باسيل على مسمعه للقوى الأمنية "شو بواريدكن بتقوّص ميّ أو رصاص؟!"
لا عجب في ذلك، فالتيار العوني عوّد اللبنانيين على سياسة التصفيات والصفقات، والتوسعات الشرسة على حساب حاجات المواطن، والخطط التدميرية بحقّ العمال. خلف دواليب النار والشحتار يجتاح "نيرون" تكتل "التغيير والإصلاح" كل الخطوط الحمر مقطّعا خطوط التوتر العالي، وناسياً ان الكهرباء مقطوعة، والتقنين يسير بحسب التوقيت "النيروني" حارقاً انفاس الناس واعصابهم. العمال مشردون في الطرق، زحمة سير خانقة بسبب رفض الوزير الإستماع الى مطالب العمال.. وإن كان الثلم أعوج، فالمسؤولية يتحملها باسيل الفاتح على كل الجبهات.. من الحلفاء الى الخصوم والأعداء!
أما الوزير الخطير فيتلازم في "وحدة المسار والمصير" مع تطور الخطاب العوني، وهو التلميذ الذي ينال علامات إضافية في مدرسة الجنرال. قضايا البلد لا تهمه، فلا الجباية تحل مشكلة المياومين، ولا الإستماع الى معاناتهم، ولا الإجتماع معهم تحت سقف واحد.. فإما تحريض قوى الأمن ضدّهم أو المضي بـ"خطة الطريق العونية". باختصار، وحده جبران باسيل حلاّل المشاكل وثاقب النظر، وحدها أفكاره "مصيبة" و"نيّرة" على الرغم من انقطاع التيار! دام الجنرال الغاضب دائماً خير معلّم له. منه يستقي التعالي على الآخرين، ويغذي "الأنا" الباسيلية، ومنه يستمدّ "إلغاء" الشركاء.
قصة الوزير العوني مثيرة للشفقة. الكلّ يفتري عليه ويتهمه بتجاوزات في الوزارة وهو يحتمي بموقعه على كرسيّه الحكومي.. فهو غير معني بسيل الإتهامات التي تسقط على رأسه. وما همّه؟ فهو يتنعّم بإرث سياسي في تيار يرفض التوارث السياسي، ويسير على خطى قارع الطبل ويدير "أذنه الطرشاء" لمواطنين يئنّون من ارتفاع أسعار المحروقات وانقطاع "الطاقة والمياه". دام جبران باسيل وزيرا، يهدّد ويعطّل في آن، الوجه السياسي الداعم للموسم السياحي المظلم والقاحل.
حذار أيها اللبنانيون.. فوزارة الطاقة التي فَرَغ وزيرها العوني إلا من التهديد والوعيد، تريد أن تشنّ حملة تطهير مسلحة على من لا يروق لها.. حذار من معاداة التيار "العوني" الكهربائي، حذار من البوح بمشاعركم، حذار من النزول الى الشارع للتعبير عن آرائكم.. فالكهرباء مقطوعة، والمياه ملوثة، والتظاهرات مقموعة، والتوظيفات مرفوضة، والحقوق منزوعة، والآراء ممنوعة.. مشكورة "السياسة العونية" على توارث الأفكار والمفاهيم "صهرا عن عمّ".
  

السابق
أول الحوار: سلاح “حزب الله” غير شرعي
التالي
«خريف عربي» قد يزيل آثار «الربيع»