فليتشر: جرائم النظام جعلتنا بلا خيارات وخطة أنان الأفضل

وقت اعادت مجزرة الحولة في حمص ضخ جرعة ضغط غربية اضافية على نظام الرئيس السوري بشار الاسد تمثل في طرد السفراء والقائمين بالاعمال وما تبقى من ديبلوماسيين في السفارات السورية في الولايات المتحدة ودول اوروبية وكندا وصولا الى اليابان وتركيا، برزت تساؤلات عن "ارتدادات" هذه الاجراءات على خطة المبعوث الاممي – العربي المشترك كوفي انان والنقاط الست التي يعمل على تطبيقها.
واذا كانت الخطوة الغربية التي بدت "منسقة" رغم نفي الاتحاد الاوروبي لذلك، اعادت الى البال "ذكريات" الانشقاقات الديبلوماسية التي طاولت نظام الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي والتي توجها انفصال وزير خارجيته آنذاك موسى كوسا ولجوؤه الى لندن، مما ساهم في زعزعة اسس النظام المتهاوي، فان "الهزة" التي تعرضت لها الديبلوماسية السورية اخيرا عبر اعلان الديبلوماسيين اشخاصاً غير مرغوب فيهم، وعلى قوتها، بدا وكانها تندرج في اطار الضغط السياسي- الديبلوماسي بعد الاقتصادي والهادف الى عزل النظام السوري، في انتظار تبلور سلسلة معطيات. لعل اولها التقرير الذي يتوقع ان يرفعه انان الى مجلس الامن في الايام المقبلة بعد زيارته سوريا، وقد كان المندوب البريطاني الى مجلس الامن مارك ليال غرانت واضحا في اشارته الى ان انان، الموجود في سوريا سيطلب أن يقدم تقريرا للمجلس بنفسه خلال الايام المقبلة.
وفيما لمح تلويح بعض الدول باحتمال تدخل عسكري الى امكان حصول "تحول ما" في مسار الازمة، فان الانظار تبقى متجهة الى ما ستسفر عنه الاتصالات والمشاورات في المرحلة المقبلة، ولاسيما مع روسيا والصين، رغم تأكيد الطرفين تمسكهما المسبق بموقفهما لجهة رفض اي تدخل غداة المجزرة. وتأتي في سياق هذه المشاورات الزيارة التي يتوقع ان يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى باريس غدا.
عمليا، وفي التداعيات السياسية للازمة المستفحلة، يبدو واضحا ان الادانة الدولية التي احدثتها لم "تلغ" الدعم الغربي المتواصل لانان رغم التعثر الذي تواجهه خطته. وهو دعم يبلوره السفير البريطاني طوم فليتشر لـ"النهار" بتجديد "دعم لندن الكامل لكوفي انان في مهمته القاسية" كما يقول، مؤكدا ان "الخطة هي افضل ما نملك". واذ يلفت الى ان "طرد السفراء لم يكن خيارا نرغب في اتخاذه"، يرى ان "الجرائم التي ساقها النظام السوري جعلتنا بلا خيارات بديلة". وفليتشر الذي يدلل على تغطية صحيفة "التايمس" البريطانية لمجازر الاسد، يأمل في ان "يقرأ النظام السوري وشركاؤه الدوليون مضمونها" مشيرا الى ان "البعض يجادل في شأن ان الخيار في سوريا هو بين بضعة اشخاص يتولون ادارة نظام الاسد والفوضى، ونحن نقول لا، الخيار هو اليوم بين النقل (السلطة) او فوضى الاسد". وفي الاطار عينه، ابلغ ديبلوماسي اوروبي معتمد في سوريا ولبنان "النهار" ان انان كان قد عقد لقاء مع عدد من الديبلوماسيين في العاصمة السورية اول من امس، تخلله عرض لما آلت اليه الامور. وعلم من مصادر مطلعة بعد ظهر أمس، ان الموفد الاممي – العربي سيزور بيروت خلال الساعات المقبلة.
في 23 شباط الماضي، واستنادا إلى قرار الجمعية العام 253/ 66 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية تعيين كوفي انان مبعوثا خاصًا مشتركًا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ليكون معنيًا بالأزمة السورية. وحددت مهماته ببذل المساعي الحميدة الرامية إلى إنهاء العنف بكل اشكاله، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتشجيع التوصل إلى حل سلمي للأزمة دعما لجهود جامعة الدول العربية. ومما تضمنه القرار الاممي ايضا، العمل مع كيانات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية من أجل انهاء العنف وتشجيع الحل السياسي وإجراء مشاورات واسعة في شأن الاوضاع السياسية والاجتماعية – الاقتصادية والأمنية، فضلا عن الأبعاد الإنسانية والأوسع نطاقا للأزمة. كما تم الاتفاق على ان يصار، وفقاً للحاجة، الى تقديم الدعم إلى الجهود التي يبذلها منسق الإغاثة في حالات الطوارئ والرامية إلى تأمين وصول المساعدة الإنسانية من دون عراقيل. وليس خافيا ان خطة النقاط الست التي تضمنت في ما تضمنته نشر المراقبين ووقف العنف واطلاق السجناء، لم تتخط اطار النقطة الاولى حتى الآن.
تقنيا، يشكل طرد السفراء والديبلوماسيين من دولة مضيفة او اعتبارهم كما اتفق على تسميته "persona non grata " وفقا لمعاهدة فيينا، اجراء ثنائيا بين الدولتين المعنيتين ولا يمس جوهر مهمة المبعوث الاممي – العربي.
وغالبا ما يستتبع الخطوة "معاملة بالمثل"، فتنحو على اثرها "الدولة المرسلة" الى معاملة ممثلي الدولة الاخرى بالطريقة نفسها، كما يذكر الخبير في العلاقات الديبلوماسية الدكتور شفيق المصري، علما ان معظم الدول الاوروبية والولايات المتحدة كانت عمدت الى سحب أطقمها الديبلوماسية من دمشق في الاشهر الماضية.
وعلى تشابه الحالتين الليبية والسورية، ولاسيما لجهة العزل الديبلوماسي الذي احدثته خطوة الاستقالات والطرد، ثمة اختلاف جوهري في خلفياتهما. فمن المعلوم ان التصدعات الديبلوماسية لطرابلس الغرب اعقبت القرار 1970 الصادر عن مجلس الامن، والذي اجاز تدخلا عسكريا بغطاء عربي، فيما لا يزال التفاهم الدولي "ناقصا" في هذا المجال في الملف السوري.
والسؤال: هل تنتج الاتصالات الدولية "صيغة ثالثة" تسعى اقله الى الحد من سيل المجازر وتأخذ في الاعتبار البعد الاجتماعي – الانساني للازمة المتفاقمة، فيما يعقد مجلس حقوق الانسان جلسة خاصة في شأن سوريا في جنيف غدا؟  

السابق
“فايسبوك” أثّر على حياة كثيرين… وقضى على آخرين!
التالي
أميركي يبتكر مصباحاً يضيء بدماء البشر لحماية البيئة