سـلاح الحـوار

«سمعت رسول الله يقول:
«إن الله جعل عذاب هذه الأمة القتل».
عبد الله بن يزيد الأنصاري

لم يهنأ للبنانيين عيش منذ اندلاع الأحداث في سوريا في آذار من العام الماضي، وقد لا يهنأ لهم عيش قبل انتهائها وقيام حكم مستقر في عاصمة الأمويين. ومع أن سياسة النأي بالنفس قد منحت الحكومة فترة سماح، أوحت خلالها ان أزمة سوريا هي في سوريا، وأن لبنان سيكون في مأمن من تداعياتها إذا ما أحسنت قياداته السياسية والدينية السير بين النقاط، بما يحفظ أمن اللبنانيين ويصون وحدتهم والاستقرار، إلا أن الأحداث السورية كانت كالمرجل الذي كانت الأيدي الداخلية والخارجية تتسابق إلى تأجيج ناره. ثم جاء يوم تطاير غطاء المرجل وتناثرت قطع منه في لبنان، الأمر الذي جعل الرئيس ميشال سليمان يستعجل العودة إلى الحوار الوطني في فرصة قريبة حددها في 11 حزيران المقبل. وهو كان يتمنى لو تلتئم طاولة الحوار غداً نظراً إلى دقة المرحلة التي يجتازها لبنان والمنطقة، خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة في طرابلس وعكار وبيروت، و«الأمن المفقود» المتنقل بين منطقة وأخرى. وزاد الوضع حراجة، بل خطورة، خطف 11 لبنانياً على أيدي مسلحي المعارضة السورية في حلب لدى عودتهم
من زيارة العتبات المقدسة في إيران، واستنفار بعض الشارع الذي ينتمي إليه المخطوفون، وما رافق ذلك من خوف وتخويف من اندلاع فتن مذهبية، في حال أصاب المخطوفين أي مكروه.
وخففت مبادرة الرئيس سعد الحريري من حدة التوتر المذهبي، عبر تعاطفه مع المخطوفين وإبداء استعداده للتدخل لدى الخاطفين من أجل إطلاقهم، وقرن ذلك بإرساله طائرته الخاصة إلى أحد المطارات التركية القريبة من الحدود مع سوريا.
وكان هناك من أمل ان تفتح هذه المبادرة الباب مجدداً لحوار بين الحريري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي أشاد بتصرف الحريري، إلا أن الموقف المتصلب لكتلة الحريري النيابية من الحكومة والمقاومة، واستطراداً من الحوار، أعاد البلبلة إلى الأجواء، خصوصاً بعد تعقّد قضية المخطوفين، وغياب ظل الحريري عن الاتصالات التي يقودها الأتراك لإطلاقهم. ولأن سوريا هي البداية، وهي النهاية في الأزمة المستجدة التي يواجهها لبنان، وأن أول ما يعنيها من لبنان هو السلاح الذي يهرّب إلى أراضيها عبر الحدود بعدما تحول الشمال، خصوصاً طرابلس وعكار، خزاناً كبيراً لهذا السلاح.
وقد تجاوب الرئيس سليمان مع الرغبة «المستقبلية» في رؤية «جيش واحد، وسلاح واحد تحت إمرة الجيش اللبناني»، فأدرج في برنامج الحوار ثلاثة عناوين لها علاقة بالسلاح هي:
ـ وضع إستراتيجية دفاعية، والإفادة من سلاح المقاومة: متى يستعمل؟ وأين يستعمل؟ ولماذا يستعمل؟
ـ تنفيذ قرارات الحوار السابقة لناحية نزع السلاح خارج المخيمات الفلسطينية.
ـ نزع السلاح المنتشر في المدن والبلدات اللبنانية.
ولا شك في أن البند الثالث هو أهم البنود وأخطرها، خصوصاً بعدما سلط الأضواء أخيراً على حركته، وفي الشمال تحديداً، المندوب السوري لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري في رسالة وجهها إلى الأمين العام للمنظمة الدولية وتحدث فيها عن «عمليات واسعة لتخزين السلاح وتهريبه» من لبنان إلى سوريا «من قبل عصابات مسلحة». وقال ان «السلاح يصل إلى الأراضي اللبنانية إما بطريق البحر، أو بطائرات تابعة لدول معينة بذريعة انها تحمل مساعدات إنسانية للمهجرين السوريين في لبنان».
وإذ ظُنّ أن نفي الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي لما ورد على لسان الجعفري من كلام حول السلاح وتهريبه من لبنان إلى سوريا، كان لإقناع السلطات السورية بأن لبنان حريص على أمن سوريا، فإن الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى نظيره اللبناني عدنان منصور، وسلّمه إياها أول من أمس السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، أكدت عدم اقتناع السلطات السورية بكلام الرئيسين سليمان وميقاتي.
مع الإشارة إلى ان أحداً لا يستطيع التكهن بما يمكن ان يحصل على الحدود اللبنانية ـ السورية إذا ما قرر الجيش السوري تعقّب مسلحين عبر الحدود.
كذلك لا يمكن التكهن بما سيحصل في حال تعقدت قضية المخطوفين اللبنانيين في سوريا، وفشلت المفاوضات الجارية لإطلاقهم.
من هنا يجب استعجال الحوار وعدم التردد للمشاركة فيه، والابتعاد عن القضايا التي تزيد الاحتقان الداخلي.
ولأن الوقت هو وقت تضامن وطني لحماية الوحدة والاستقرار والتعايش، فلا شيء يبرر صب الزيت على النار في موضوع المقاومة وسلاحها. وإذا كان لا بد من البحث في طريقة الإفادة من المقاومة وسلاحها، فيستحسن ضمّ قائد الجيش إلى قائمة المدعوين إلى طاولة الحوار حتى يشرح، للمرة الأخيرة، أهمية المقاومة في الدفاع عن الوطن تنظيماً وسلاحاً، وأن لا مصلحة للجيش ولا للدولة في أن تكون المقاومة بإمرتهما، لأن ذلك يعرّض الوطن بكامله للخطر والدمار، في حال حصل اشتباك مع العدو.
كما أن المقاومة تحتاج إلى رجال وجهد ومال ومعدات وسلاح، إضافة إلى من يرعى المعوقين في القتال، وأسر الشهداء، في إسكانهم وعيشهم وتعليم أبنائهم ما تعجز عنه الدول الغنية.
علماً أن المقاومة في لبنان هي «عطية من السماء».   

السابق
البلد: لبنان اسير الخطف المزدوج من حلب الى العبودية
التالي
أول الحوار: سلاح “حزب الله” غير شرعي