السفير : عمال الكهرباء “ينتفضون” .. و”هدية” طرابلس لم تصل!

بينما كانت الأنظار مشدودة الى ملف المخطوفين اللبنانيين في سوريا بحثا عن بارقة أمل تبشر بقرب الإفراج عنهم، خطفت "انتفاضة" جباة الإكراء والمياومين في مؤسسة كهرباء لبنان الأضواء والأنفاس أمس، بعدما انفجرت قضيتهم في الشارع، من خلال الاعتصامات الميدانية، وقطع الطرق في الكثير من المناطق، وصولا إلى اقتحام مبنى مؤسسة الكهرباء والاعتصام فيه، تحت شعار المطالبة بالتثبيت، الأمر الذي بعثر أولويات جلسة مجلس الوزراء، وكشف مرة أخرى عن حالة الانكشاف الاجتماعي المتفاقمة في البلد، والتي باتت تهدد بمزيد من التصدعات على المستوى الداخلي.
لكن، وبرغم الاهتزازات المتواصلة التي يتعرض لها الاستقرار الهش، فإن دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى استئناف الحوار في 11 حزيران المقبل ما تزال تُواجَه بمناورات من بعض الأطراف، وبممانعة من أطراف أخرى، كرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي اعتبر "ان الحوار يشكل مضيعة كبيرة للوقت الآن ويعزّ عليّ ألا نستطيع تلبية دعوة الرئيس ميشال سليمان"، وهو موقف بدا انه يعبر عما لا يستطيع الرئيس سعد الحريري ان يبوح به علنا، تجنبا لأي إحراج امام الملك عبد الله، كما قالت لـ"السفير" مصادر سياسية بارزة محسوبة على الكتلة الوسطية، علما أن الرئيس سليمان شدد أمس على الحوار من دون أي شروط مسبقة، مشيرا الى انه تلقى تشجيعاً على إجراء هذا الحوار من قبل الملك عبد الله.
المخطوفون.. والانتظار
أما قضية المخطوفين في سوريا، فلم يطرأ عليها أمس أي جديد معلن، باستثناء سفر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى تركيا يرافقه وزيرا الخارجية عدنان منصور والداخلية مروان شربل لمتابعة التطورات المتعلقة بها عن قرب، والمشاركة في منتدى حوار الحضارات.
ويلتقي ميقاتي اليوم وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، على ان يجتمع مساء مع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، للتداول معه في آخر مستجدات ملف المخطوفين.
ميقاتي يهدد بتعليق جلسات الحكومة
وإذا كان مجلس الوزراء قد تضامن مع وزير الطاقة جبران باسيل في مواجهة احتجاج المياومين في مؤسسة الكهرباء، فإنه انقسم على نفسه مجددا عند البدء بمناقشة البنود المتصلة بالإنفاق المالي، ما استدعى مجددا الاستناد الى المادة 58 من الدستور لتأمين نفقات للجيش اللبناني.
وعلمت "السفير" أن وزير المالية محمد الصفدي طرح، بالتنسيق مع الرئيس ميقاتي خلال الجلسة، تخصيص مبلغ 100 مليون دولار كسلفة خزينة لتمويل مشاريع إنمائية في طرابلس. وفي حين وافق وزراء "التيار الوطني الحر" و8 آذار على المبدأ انطلاقا من ضرورة الاستجابة لحاجات طرابلس، إلا أنهم اعترضوا على آلية التمويل، "لأن خيار السلفات مخالف للقانون"، وطلبوا إدراج الموضوع ضمن الموازنة العامة، ما أثار جدلاً، وسط رفض من قبل ميقاتي والصفدي للطرح المقترح، لأن الموازنة ليست جاهزة بعد. واقترح بعض الوزراء إعطاء السلفة الى الهيئة العليا للإغاثة كي تنفق على المشاريع المقترحة، ولكن الفكرة رُفضت أيضا من زاوية انه ما من صلاحية لدى الهيئة للإنفاق على مشاريع تعود الى الوزارات المختصة.
وبعد نقاش مستفيض، قرر مجلس الوزراء الموافقة المبدئية على تنفيذ مشاريع إنمائية في طرابلس بقيمة 150 مليار ليرة لبنانية على أن يصار إلى تحديد مصدر تمويلها في الجلسة المقبلة.
وقالت أوساط مقربة من ميقاتي لـ"السفير" انه في حال لم يتأمن المبلغ المطلوب لطرابلس في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، فإن ميقاتي لن يدعو الى جلسة أخرى حتى تتم تسوية هذه المسألة، لافتة الانتباه الى ان هناك محاولة لإسقاط الحكومة من طرابلس، والرد يكون بتأمين بعض متطلبات هذه المدينة، التي تعاني من حرمان مزمن، تحول الى فتيل قابل للاشتعال بأشكال مختلفة في أي لحظة، ما يستوجب سحب هذا الفتيل من خلال معالجة الأسباب التي تؤمن البيئة الحاضنة للتوتر والاضطراب.
تصعيد المياومين
لكن ما فرقه التباين حول الإنفاق المالي في مجلس الوزراء، جمعه الموقف الموحد في مواجهة تحرك العمال والمياومين في مؤسسة الكهرباء، إذ اعتبر المجلس في البيان الصادر عنه ان اعتصامهم "تعدى حدود حرية التعبير السلمي المتعارف عليها"، موضحا انه "قرر التشدد في الأمن وبسط سلطة الدولة بشكل حاسم ودائم، وإعادة هيبة الدولة على مساحة الوطن، وتوقيف من تسول له نفسه التطاول على القانون وتطبيق أقصى العقوبات القانونية بحقه".
كما أكد رئيسا الجمهورية والحكومة والوزراء المختصون، وفق البيان، أن الحل المقترح من الحكومة هو حل وافٍ وقد أعطى المياومين وجباة الإكراء أكثر من حقوقهم، عبر إفساح التثبيت أمامهم من خلال المباراة المحصورة.
باسيل: الكهرباء على المحك
وقال وزير الطاقة جبران باسيل لـ"السفير" انه وضع مجلس الوزراء أمام مسؤولياته، وأبلغه صراحة ان وضع الكهرباء بات على المحك، وأن الانقطاع في التيار قد يتفاقم خلال الايام المقبلة، مشيرا الى انه تلقى كتابا من مؤسسة الكهرباء جاء فيه ان موظفي المؤسسة لم يعد بمقدورهم تحمل الوضع السائد فيها، ولا يمكنهم العمل في ظل الظروف الضاغطة السائدة، ما يعني ان إمكانية الاستمرار في تأمين التيار ستصبح مهددة، لا سيما أن اعتصام المياومين أدى الى توقف الجباية، وبالتالي انعدام الواردات، كما تسبب في تراكم الأعطال الكهربائية، ملمحا الى ان رواتب الموظفين ستكون مهددة كذلك.
ولفت باسيل الانتباه الى ان المشروع الذي تقدم به لمعالجة وضع المياومين يحظى بدعم الحكومة، مشيرا الى ان البعض كان قد أخذ عليه أنه أعطاهم أكثر مما يجوز، "ولكنني تمسكت بتثبيت أكبر عدد ممكن منهم في ملاك مؤسسة الكهرباء وتأمين فرص العمل والضمانات لعدد آخر في الشركات الخاصة لان المؤسسة لا تتسع للجميع، فهل أكافأ بهذه الطريقة؟" ودعا باسيل كل الحكومة والاطراف السياسية الى تحمل مسؤولياتها، منبها الى ان بعض القوى في المعارضة تعمل على تحريض المياومين.
وقالت أوساط باسيل لـ"السفير" أن لا شيء يمكن ان يتحقق تحت الضغط والتهديد، وأن الحوار غير ممكن في مثل هذا المناخ، وبالتالي المطلوب إعادة الوضع الى طبيعته في مؤسسة الكهرباء، وبعدها فإن باسيل مستعد للحوار، لافتة الانتباه الى انه كان في الاساس منفتحا على مناقشة عدد العاملين الذين يمكن تثبيتهم.
وفي سياق متصل، علمت "السفير" من مصادر "لجنة المتابعة للعمال المياومين وجباة الإكراء" أن رئيس مجلس النواب نبيه بري طلب سحب "مشروع قانون تثبيت المياومين وجباة الإكراء في ملاك المؤسسة" من لجنة الإدارة والعدل وتحويله إلى "اللجان المشتركة"، فيما كلف عضوي اللجنة الفرعية النيابية المعنية النائبين غازي زعيتر ونوّار الساحلي متابعة القضية مباشرة من أجل إيجاد الحل المناسب لها.
من ناحيتها، أبلغت أوساط مقربة من "حزب الله" "السفير" ان الحزب يؤيد مبدأ التثبيت ضمن القانون، على قاعدة الاستفادة قدر الإمكان من خبرات المياومين وتجاربهم.
وأفادت مصادر متابعة للاتصالات "السفير" ان الحل الواقعي لهذه القضية يكمن في ان يتم تثبيت العدد الاكبر من العمال بعد إجراء مباراة محصورة، على ان يخضع الآخرون لاحقا الى مباراة مفتوحة، ثم يُضم الباقون الى شركات خاصة.
مطالب العمال
أما أوساط العمّال، فأكدت لـ"السفير" ان لدى المياومين أسئلة ملحة ومشروعة حول سبب إصرار الحكومة وبعض وزرائها على المضي قدماً بتسليم المؤسسة لشركات مقدمي الخدمات، والتي بدأت فعليا باستلام مديرية التوزيع، وفق عقود، مبهمة وغير شفافة، ولا تضمن حقوقهم وديمومتهم في العمل. وتمسكت الأوساط بمطلب التثبيت منتقدة "الطرق التعسفية التي يتعاطى بها وزير الطاقة والمياه جبران باسيل مع مطالب العمال".
وأشارت الاوساط الى ان المطلوب لفك الاعتصام "زيادة عدد العمّال والعاملات في مشروع التثبيت في ملاك المؤسسة، وعدم اقتصاره على 700 شخص، إذ هناك حوالي 1750 عاملا وعاملة يحق لهم التثبيت ويستوفون الشروط القانونية من أصل 2300 في كل لبنان".
وفي وقت لاحق، أفادت مصادر المعتصمين "السفير" أن "العمّال يوافقون على إجراء مباراة محصورة لملء الشواغر في مديريات المؤسسة كافة، بما فيها مديرية التوزيع".  

السابق
النهار : ميقاتي لمجلس الوزراء: الأربعاء مهلة أخيرة لتمويل الحكومة
التالي
المستقبل : ميقاتي للوزراء: ما نفع بقاء الحكومة؟