لعيون حافظ بشار

عندما رقص جنود النظام السوري على جثث المتظاهرين الأبرياء وهم يهتفون «شبيحة للأبد لجل عيونك يا الأسد»، أرادوا إيصال رسالة الى الجيل الشاب الذي تنتمي اليه غالبية الضحايا بأن كل مَن يعترض على مبدأ الولاية الدائمة لبشار الاسد سيكون مصيره مثل مصير أهالي حماة في ثمانينات القرن الماضي حين اعترضوا على ولاية حافظ الاسد الدائمة… يومها قال المستفيدون من النظام والقريبون منه ان الاسد الراحل «ربى السوريين لعشرين سنة لقدّام».
وعندما تحصل مجزرة مثل الحولة خاطفة ملائكة بعمر الزهور، وفي الذكرى السنوية الاولى للجريمة البشعة التي حملت عنوان «حمزة الخطيب»، فان مرتكبيها يريدون توجيه رسالة الى أطفال سورية وذويهم بعدم الاعتراض على الولاية المقبلة للطفل حافظ بشار الاسد، وسيخرج غداً مَن يقول من الحلقة الضيقة للنظام ان الرئيس السوري أراد بهذه المجازر ان «يربي السوريين لعشرين سنة لقدّام».

في حديثه مع «صنداي تايمز» نهاية العام الماضي، سئل بشار الاسد هل يتوقّع ان يحكم سورية ابنه من بعده فأجاب: «لا احد يستطيع ان يقرّر مستقبل أبنائه». لم يقل ان سورية الغد، سورية المستقبل، يجب ان تَعْبر من الحكم الفردي العائلي الى الديموقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة. لم يقل ان في سورية مَن هو قادر بالطبع على إدارة البلاد بكفاءة ورؤية، أعطى إجابة لم يكن بقادر على إعطاء غيرها، بمعنى ان الحكم لابنه، وبمعنى ان ابنه اذا أراد الحكم فسيحصل عليه وستزول كل المعوقات من أمامه تماماً كما حصل معه، أما إذا لم يردْ الحكم فـ «الحشود الشعبية والرغبة الوطنية والمصلحة القومية» كفيلة بتغيير رأيه عندما يحين الوقت.

طبعاً لا جدال في ان النظام الذي ينازع للبقاء فقدَ كل صلة له بالواقع وتحديداً واقع العلاقة بالشعب السوري الذي يقدّم أثمن ما لديه لتحقيق هدف التغيير. هذا النظام الذي سيتغيّر عاجلاً ام آجلاً يستخدم أقصى قوة ناريّة لديه لإعادة الجيل الشاب الى مرحلة ما قبل «الموبايل» والكمبيوتر، ولا يرحم الطفولة لانه يعتقد ان وقود الثورة هو الجيل الشاب ولا بد من قطع طرق الإمداد العمرية لهذا الجيل من جهة، اضافة الى خلق صورة مرعبة قاهرة في عيون الاطفال تستمرّ معهم «لعشرين سنة لقدّام».

ليست المجازر التي تستهدف الأطفال في سورية من باب الصدف او أخطاء المواجهة… ولم تكن كذلك يوماً. ما معنى ان تُسحب أظافر أطفال درعا لأنهم كتبوا شعارات على جدران مدرستهم؟ وما معنى ان يبلغ بعض الأساتذة أجهزة الأمن عنهم لو لم تكن صور القهر والاعتقالات والتعذيب حُفرت في ضمائرهم «من عشرين سنة سابقة»؟ ما معنى ان يؤخذ طفل الى أجهزة الامن ويعود الى ذويه جثة بلا أعضاء؟ ما معنى ان يُعتقل الأطفال ويتعرّضوا لأبشع الاعتداءات كرهائن كي يسلّم أهلهم المعارضون او المنتمون الى الجيش الحر أنفسهم ثم يتمّ ذبحهم مع أهلهم؟ لماذا يَستخدم النظام الأطفال دروعاً بشرية عند اقتحام القرى والمدن؟.

«لا احد يستطيع ان يقرّر مستقبل أبنائه»… كان بشار الاسد يتحدّث عن ابنه فقط تاركاً مصائر آلاف الأطفال برسم المجازر من خلال ذبحهم او من خلال قهرهم بذبح أهلهم… لكن الواقع الذي غاب عن أهل السلطة في دمشق يؤكد ان هؤلاء الأطفال، الأحياء منهم والشهداء، هم الذين يقرّرون اليوم مستقبلهم ومصير سورية ومصير النظام فيها ومصير أيامهم «لعشرين سنة لقدّام».

السابق
ثورة في العلاقة بين السلطة والصحافة
التالي
نداءات لدروز سورية