المذبحة: إنسداد الوضع السوري؟!

كأنما كانت مذبحة الحولة أولى المذابح! لقد سبقتها مذابح بالهول نفسه، وربما أفظع في سائر أنحاء سوريا حتى في دوما والقابون وجسر الشغور وإدلب وحماة ودرعا، وهذا فضلاً عن حمص وأحيائها بالطبع! هل ارتعد العالم للمذبحة إذاً بسبب عدد الأطفال المرتفع بين الضحايا؟ ربما لعب ذلك دوراً، إنما الذي لعب الدور الأكبر: قدرة شباب الثورة السورية على نقل الخبر إلى العالم خلال ساعة أو أقل، وعدم قدرة النظام على إعادة الاستيلاء على المنطقة بعد وصول مراقبي الأمم المتحدة عليها، مما أتاح لوسائل الإعلام الأجنبية إدخال الصور الفظيعة لوعي العالم وضميره!.

… وجاء صاحبنا كوفي أنان إلى «سوريا الأسد»، كأنما ليعيد ترتيب الموقف، باعتبار أن المعطيات الأساسية لم تتغير: روسيا والصين لا تزالان تدعمان النظام السوري، وواشنطن لا تريد القيام أو الموافقة على عمل عسكري قبل الانتخابات، وسائر الأطراف (بما في ذلك تركيا) تحسب حسابات كثيرة لردة الفعل الإيرانية على التدخل العسكري (الدولي أو الأطلسي) في سوريا!.

حثّ أنان إذاً بشار الأسد ووزير خارجيته على ثلاثة أمور، وبحث إمكانيتين للهروب إلى الأمام. الأمور الثلاثة هي: وقف إطلاق النار بالفعل، وسحب الأسلحة الثقيلة من المدن والبلدات، وترك المتظاهرين وشأنهم ما داموا لا يحملون سلاحاً. أما الجديد الجديد فهو أمران. تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق فيما حصل في الحولة، والبحث في إمكانية بدء الحوار السياسي ولو بالواسطة بين النظام ومعارضيه. ولا داعي للتعليق على المسائل الثلاث، فهي مطلوبة منذ تسعة أشهر، وما تحقق منها شيء ولن يتحقق ما دام لدى النظام خرطوش ليطلقه! فلننظر في الجديدين: مذبحة الحولة والتحقيق فيها، والمضي إلى الحوار. بالنسبة للأمر الأوّل ما صدّق أحد بالطبع أن الارهابيين والجهاديين قتلوا النساء والأولاد، فهؤلاء جميعاً من السنّة، ولا سبب لديهم لقتل أطفالهم. ويبدو ان الذي حدث بالفعل أن الأحياء الداخلية من الحولة مستهدفة بالقصف المدفعي لأن التظاهرات والاعتصامات المسلحة وغير المسلحة قائمة فيها، ولذلك فقد لجأ الأهالي لإخراج أطفالهم ونسائهم إلى الأحياء الخارجية بالبلدات، لأن القصف خفيف عليها، ولإمكان تهريبهم إلى أماكن أخرى. وقد حالت السلطات العسكرية دون ذلك بقصف تلك الأحياء وقتل الصغار الذين فيها، ثم أرادت إخفاء الجريمة، فأرسلت بعضاً من مصفحاتها وشبيحتها لقتل الباقين أحياء، حتى لا يدري أحد من ارتكب المذبحة. وكان من سوء حظ هؤلاء الأوباش أن بقي بين المصابين أحياء، وأن شباب الثورة استطاعوا الوصول والتصوير، وأن المراقبين الدوليين تأخروا لكنهم أتوا أخيراً وصوّروا وعاينوا. وهذه واقعة قد تشكل مفترق طرق في ما يتعلق بالنظر إلى الأزمة السورية. فالنظام يشن حرب إبادة ضد الناس، ولا ينتظر حلاً ولا شيئاً خارج الوضع الذي كان قائماً! وعلى الذين يؤيدونه او يسكتون عنه من دون أن يذكروا الأسباب الحقيقية، ان يؤكدوا موقف التأييد واللامبالاة، أو يستقيلوا من المسؤوليات التي يضعها عليهم النظام الدولي!.

ويقود ذلك إلى تفكير كوفي أنان – إنقاذاً لبعثته – في الاندفاع نحو الحوار السياسي، وبالطبع لن يستجيب المعارضون لذلك، إنما الذي يفكر فيه أنان: اقتراح حكومة جديدة يُشارك فيها الطرفان، قد تنفع إذا قامت بالتوافق في تحسين الوضع الأمني بالفعل للتفكير بعدها في خطوات أخرى، وكل ذلك بواسطته هو شخصياً وواسطة نائبه الفلسطيني ناصر القدوة.

إن الجاري على الأرض بالفعل أن المسلحين من الجيش السوري الحر وغيره يزدادون عدداً وعُدّة. وأن هؤلاء صاروا يسيطرون على مناطق كثيرة وكبيرة، يعمد النظام لقصفها من الخارج تجنباً لخوض مواجهات من أجل الدخول. ويبدو أن الجيش لن ينهار، وإنما سيضطر للتراجع إلى حدود دمشق ومحيطها، وبعض النواحي التي يملك خططاً خاصة لها مثل ريف حمص واللاذقية وطرطوس والحدود مع الأردن. ولن يدخل النظام في تفاوض على حل حقيقي إلا بعد بروز خطط جديدة عند إيران، واتجاه الولايات المتحدة (وبالتالي تركيا) للمزيد من الفعالية. مذبحة الحولة خط جديد. وازدياد المقاومة المسلحة خط أيضاً، لكن الانسداد لن ينتهي حتى تتحرك العناصر الإقليمية والدولية في اتجاهات جديدة!.

السابق
الانوار: سليمان لضباط القيادة: في الجيش ثواب وعقاب
التالي
جذور الحرب الأهلية في سورية