فحوص العار على المثليين لا قيمة طبية لها

شبيهة بالاغتصاب، تعود الى القرن الثامن عشر، يجريها الطبيب الشرعي في المخفر في حضور دركي او اكثر، يمسكان بـ"المشتبه" في انه مثلي، ليكشف الطبيب، المتأكد من عدم جدوى هذه الفحوص طبيا، على شرج الضحية وسط تهكم الموجودين. فحص لا يتعدى الـ5 دقائق، تبقى آثاره الجرمية على نفسية الضحية اكثر من سنوات. هنا في لبنان، حيث يغير المرء هاتفه الخليوي كما يغير ثيابه الداخلية، تحكمنا قوانين عمرها اكثر من 100 عام، ويتحكم بنا دركي، قد يبتز اي شخص بدت عليه سمات الانوثة، واذا لم يفعل يحصل على اشارة من النيابة العامة ليدخله الى المخفر لاجراء "فحص العار"، فحص المثلية.
قصة مماثلة حصلت منذ اسابيع، اثارت اهتمام "المفكرة القانونية"، فدعت الى حلقة نقاش عن "فحوص العار" في مبنى "الجامعة للكل" شارع جامعة القديس يوسف. كيف تتم هذه الفحوص وفي اي حالات؟ وما معنى اللجوء اليها لاثبات سلوكيات جنسية وابعادها؟ وهل من طرق قانونية لوقف العمل بهها؟
النقاش افتتحه الطبيبان الشرعيان سامي قواص، ورئيس الجمعية اللبنانية للطب الشرعي الدكتور حسين شحرور، فاستخدما كل التعابير التمييزية العنيفة بحجة ان هذا ما يتضمنه القانون. وقال الدكتور شحرور ان الفحص مأخوذ من نظريات للطبيب تارد من القرن الثامن عشر، والذي اثبت الباحثون ان كل نظرياته يجب وضعها في مزبلة التاريخ. واعترف الطبيبان ان هذا الفحص غير مجد ولا يثبت اي شيء الا في وجود السائل المنوي خلال 24 ساعة وفحص الـ"دي.ان. أي"، وهذا لا يمكن حصوله في حال تم استعمال الواقي الذكري، وهذا ما يحصل غالبا. وقالا انهما لا يقبلان فحص سيدة في المخفر بل في عيادتهما او المستشفى، فاعترضت ناديا بكداشي من جمعية "سكون"، على هذا التمييز في حق الرجل.
وتحدث الدكتور قواص، الذي يجري هذا الفحص اربع او خمس مرات في الشهر عن كيفية اجراء الفحص والتأكد ان العمل يطابق القانون، فيأخذون المعلومات الاولية ويدخل شخص واحد ويتم الكشف على عضل الشرج، وعرض المعدات المستعملة.
وبينما تحدث الدكتور قواص عن نعومة هذا الفحص والتعامل باحترام مع "الضحية" من دون ازعاجها، عرض المدير التنفيذي لـ"حلم" شربل ميدا، الذي يقوم بالدعم النفسي للضحايا، لحالة شاب تعرض الى هذا الفحص المذل. وقال ان القصة ليست قصة 5 دقائق منتهية، انما تترك آثارا نفسية سلبية لسنوات. واضاف ان احدهم رفض اجراء الفحص فأمسك دركيان بيديه وتناوبا، اطلاق النكت التافهة، فيما كان الطبيب الشرعي يجري الفحص.
ثم عرض نديم حوري من "هيومان رايتس واتش" تقارير عامة، ودراسة في مصر اجريت على 100 حالة تعرضت الى فحص مشابه، ووصف الامر انه تعذيب، وهو ما ذهبت اليه لجان الخبراء في الامم المتحدة. وقال ان العديد من الذين اجري لهم هذا الفحص قدموا شهاداتهم باكين لشدة ما كان الامر مهينا.
ثم كانت مداخلات لقضاة مشاركين، اعتبروا انها اذا كانت فحوصاً غير مجدية كما قال الاطباء، وغير اخلاقية بحسب تقرير "هيومان رايتس واتش"، فيجب ان تمتنع النيابة العامة عن طلب فحوصات مشابهة.
وتعهدت المفكرة القانونية رفع كتاب الى وزارة العدل ليعمم على النيابات العامة وقف هذه الممارسة، والتوجه الى نقابة الاطباء لارسال تعميم الى الاطباء لالغائها.
وقال المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية، ان الباعث الى هذه الندوة كانت حالة حصلت منذ نحو شهر، اذ تم توقيف 3 شبان كانوا معا في سيارة، ومن دون ان يكون هناك اي تصرف ملتبس في ما بينهم، وتم التحقيق معهم لكونهم كانوا قرب منزل احد السياسيين من التحري في فردان. وخلال التحقيق، رأى احد العناصر ان ثمة شاباً لديه ملامح انثوية فاستحصل على اشارة من النيابة العامة بارسالهم الى مكتب حماية الآداب، وهناك استحصل المكتب على اشارة ثانية من النيابة العامة لاجراء فحص شرجي لهم. وبسبب عدم وجود اي طبيب شرعي في ذلك النهار، تم ابقاؤهم في المخفر حتى اليوم التالي. حضر الطبيب وكانت اولى كلماته: "من مصلحتكم ان تقولوا الحقيقة لاني اذا عرفت اي شيء من خلال الفحص، فان عقوبتكم ستكون مضاعفة"! وهذا الامر يظهر ان المسؤولية مشتركة بين الشرطي الذي لم يكن لديه اي دليل، وبين النيابة العامة التي اعطت اشارة من دون اي اساس، والطبيب الذي استغل وظيفته ومنصبه لانتزاع الاعتراف من الشبان مارس دور المحقق بلباس طبيب. والسؤال، اذا كان الفحص غير مجد فلماذا يأتي الطبيب ليؤدي دور المحقق؟ وهذا الامر يظهر عبثية الفحص. واوضح صاغية، ان الهدف هو وضع حد منذ الغد لهذا الفحص الخرافي والمذل.
وكانت مداخلة للاستاذ الجامعي التونسي وحيد فرشيشي، الذي اعتبر ان هذا الفحص هو اغتصاب. وقال الاطباء انهم يرغبون في وضع حد للفحوص، الا ان الامر في يد النيابة العامة الخاضعة الى وزارة العدل.
في 27 حزيران ستستكمل الحلقة عن موضوع هذه الفحوص، وستركز على فحوص العذرية في الزمان والمكان عينهما، ويتخلل ذلك استعراض لمواقف المسؤولين تبعا للحلقة الاولى.

السابق
انتشار للجيش اللبناني على طول الخط الازرق
التالي
التخفيف