آن أوان المصارحة والمصالحة

عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم. صدمة اختطاف الحجاج اللبنانيّين قرب حلب أيقظت أهل الكهف وأهل الخلافات وأهل الانقسامات من نومة العدم، حيث تداركوا العاصفة قبل هبوبها، وحاصروا الفتنة في مهدها وقبل تسلّلها إلى الشوارع والأحياء.
وحيث أيقن الجميع، من مسؤولين وقياديّين وحزبيّين وزعماء ومرجعيّات، أنّ الهدف من عمليّة الخطف إشعال النار في غابة الفوضى والتسيُّب، ونقل الأنظار من قريب وبعيد إلى حريق من نوع آخر… لا تنقصه مضخّات الأحقاد، ولا يفتقر إلى مزيد من مخزون الحقن الطوائفي والمذهبي.

فكانت يقظة في وقتها.
وكانت هبّة أعادت إلى الأذهان، وإلى الساحة السياسيّة، وإلى النفوس، نفحات مريحة ومطمئنة من ذلك اللبنان وأولئك اللبنانيّين الذين قال فيهم الرئيس صائب سلام ذات يوم إنهم لو يدعونهم يلتقون لاختنقوا فرحاً من شدّة العناق والعتاب.
لقد آن أوان المصالحة والمكاشفة والانفتاح والارتياح.
من زمان وزمان، ونحن نلحّ مع الرئيس نبيه برّي على لزوم ما يلزم. أي على أهميّة العودة إلى طاولة الحوار مع بندين وحيدين لا ثالث لهما: اللقاء بنيّة البحث عن حلول، والمصارحة بالكبيرة والصغيرة وبكل ما يعتمل في الصدور والنفوس.
السلاح وغيره.

الثقة التي لا قائمة للبنان تقوم من دونها.
وإعادة نظر شاملة وكاملة في أسلوب التعامل مع الدولة والمؤسّسات والقوانين، مع الابتعاد عن متاهات سياسة غالب ومغلوب. وأكثريّة وأقليّة. وأبناء ستّ وأبناء جارية. وناس بسمنة وناس بزيت. وناس وطنيّون وناس خونة.
ومن أوّل وجديد. وبقلوب نظيفة من كل الرواسب والضغائن وعقول منفتحة على مصلحة لبنان التي تجسّد فعلاً مصلحة كل اللبنانيّين.
الآن أُتيحت الفرصة، والفضل في ذلك يعود إلى الحجاج المخطوفين أعادهم الله سالمين إلى أهلهم الذين بات عددهم يتجاوز عائلاتهم وأقاربهم المباشرين ومناطقهم، ليصير بحجم عدد كل اللبنانيّين مقيمين ومغتربين.
ثم إلى الرئيس ميشال سليمان وسائر القادة الذين لبّوا النداء، وسارعوا لتجاوز "أسوار" الخلافات ومشتقّاتها، والانضمام حالاً وسريعاً إلى فرقة الإطفاء الوطنيّة لإنقاذ ما تبقّى من الوحدة الميثاقية أولاً.
وتالياً لبذل الغالي والنفيس في سبيل إنقاذ إخوان وأبناء وآباء لنا من مأزق ومحنة وجور ابتلوا به في لحظة تخلٍّ.
ولربّما نقتنع جميعنا، بعد مسيرة الألف ميل من العذابات والمآسي والأهوال، أن ما من منقذ للبنان إلا اللبنانيّين. وحدهم. وبأنفسهم. أما أولئك الذين يمدّوننا بالمساعدة أحياناً، فإنما لغايات ومآرب ومصالح يفعلون.  

السابق
أنان الفخ والحل
التالي
المخرج من حوار السلاح