نفق الاختطاف؟

اختطاف اللبنانيين العائدين من إيران عبر تركيا على يد مجموعة سورية مسلحة في شمال حلب أدخل البلاد في مزيد من التوتر والإرباك، وذلك على عكس الأجواء التي أشيعت منذ يومين عن إطلاقهم من قبل محتجزيهم والتي تزامنت مع الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في العيد الثاني عشر للمقاومة والتحرير الذي يصادف في 25 أيار من كل عام.
ما أشيع عن إطلاق المجموعة اللبنانية المختطفة لم يكن صحيحاً، ذلك أن ما سرّب من معلومات حول مكان تواجدهم في ذلك الحين لم يكن دقيقاً، فقد اعتمد على مجموعة من المعلومات التي تم تناقلها بالتواتر، هذا عدا سوء الفهم الذي وقع فيه غير مسؤول لبناني، وكأن الحديث يجري مع المتابعين لهذه القضية باللغة التركية.

وعلى هذا الاساس، لا بد من ملاحظة جملة من الأمور قد تضيء جانباً مما حصل منذ عملية الاختطاف، وهي تتمحور حول الهدف من هذه العملية التي نفذت عند الحدود التركية – السورية بعد عبور الحافلتين للجانب التركي منها، عندما انقض عليها مسلحون قالوا انهم ينتمون الى ما يسمى بـ»الجيش السوري الحر» الذي عاد ونفى مسؤوليته عن الاختطاف، في حين عمد الى تسريب معلومات مفادها أن فصيلا سورياً اسلامياً متشدداً معارضاً يطلق على نفسه اسم «حزب سوريا الحرة» يقوده الشيخ إبراهيم الزعبي هو الذي نفذ عملية الاختطاف، فيما السؤال الأول الذي يفرض نفسه هو عن دور حرس الحدود الأتراك في هذه العملية وهل تم تسريب معلومات تركية لهذا الفصيل عن عبور الحافلتين، وهل ان ذلك تم بشكل رسمي أو ان بعض المتعاطفين من الشرطة والجمارك التركية مع ذاك الفصيل المتشدد قد تصرف من تلقاء نفسه، إذ إن كل المعلومات تؤكد أن العملية تمت على بعد 500 متر فقط عن الحدود، أي على مرأى وربما مسمع الجهات التركية الرسمية، وهذا الأمر يُحَمِّل الجانب التركي مسؤولية مباشرة ولو معنوياً عن سلامة المخطوفين.

من الملاحظات ايضاً، أن تقاذف المسؤوليات بين الجماعات السورية المسلحة يشير الى أن نية هؤلاء هي عدم التجاوب مع المساعي التي بذلت وتبذل من أجل إطلاق المخطوفين، وانهم مستمرون بعمليتهم الى حين تحقيق الهدف من وراء إقدامهم عليها، إذ إن أي فعل مشابه يحب أن يكون مدروساً بعناية ومعلوم التداعيات التي قد تنجم عنه والى أي مدى يمكن أن تصل، وهذا بالفعل ما حصل إذ إن الاتصالات لم تسفر عن نتائج إيجابية، بل على العكس اتجهت الأمور الى التأزيم لا سيما بعد إبلاغ هؤلاء سراً قبل أن يصبح علناً بان لا ثمن مقابل إطلاق المخطوفين وان عليهم إطلاقهم كما تم اعتقالهم.

هذا ما ابلغته الجهات المعنية بالقضية في بيروت الى المسؤولين في الدولة اللبنانية بكل مستوياتها. كما تم إبلاغ المسؤولين في سورية الذين أصلا لم يكونوا على استعداد للتجاوب مع مطالب حفنة من الخارجين على القانون. فكان أن انطلقت الجهات الحكومية في لبنان بالإضافة الى رئاسة الجمهورية وعمدت الى تكثيف الاتصالات من أجل حل هذه المسألة التي من الممكن لتداعياتها أن تمس السلم الأهلي وتدفع بالبلاد الى منزلق خطير قد لا يستطيع أحد تداركه.
عمل الجميع على تفعيل قنواته مع الجهات الخارجية، لكن تحذيراً نقل الى كل من يعنيه الأمر تم تضمينه لشرح ما ستؤول اليه الأمور في حال لم يتم إطلاق الشباب والرجال الـ 11، في حين رسم ذاك الشرح صورة قاتمة للفلتان المتوقع، خاصة وانه لا يمكن لأحد ضبط الشارع لأنه بالنهاية ليس مؤطراً تنظيمياً، وبالتالي، فإن الجهات الحزبية لا يمكنها الوقوف في وجه أي تحرك للأهالي وما يمكن أن ينتج منه من تحركات ذات خلفية مذهبية، ناهيك عن أن الدولة اللبنانية الغارقة في مشاكلها، وأهمها ما نتج عن فعلها في الشمال من فقدان هيبتها، قد جعل الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات.

ما قاله السيد نصرالله في خطابه في عيد التحرير عكس في الواقع الموقف النهائي لهذه الجهة وحلفائها من موضوع المخطوفين، ومفاده أن لا مقابل لإطلاق هؤلاء، وأن على محتجزيهم أن يتصرفوا على هذا الأساس، رافعاً مسؤوليته عن ردات الفعل المحتملة في حال لم يتم ذلك، داعياً الدولة وسلطاتها الى الدفاع عن مواطنيها واستردادهم بالطرق المناسبة.
ماذا يمكن أن تخدم عملية الاختطاف تلك وما هو موقعها في سياق الحوادث التي جرت وتجري في سورية وتالياً في لبنان وتحديداً ما جرى في شماله وعلاقتها بما هو مرسوم لهذا البلد؟ إذ إن ما يسعى اليه الخاطفون ليس فعلاً ما يقولونه عن انهم يريدون مقايضة من خطفوا باشخاص محتجزين لدى الدولة في سورية. فما هو معروف عن هؤلاء إضافة الى أنهم متشددون متطرفون، انهم جماعة «فلوس» أيضاً، وانهم قطاع طرق يحملون شعارات «ثوروية»، كما انهم يشكلون عاملاً مساعداً على إغراق المنطقة في الفوضى لمن يدفع أكثر.

وعلى الأرجح فإن هناك من يفهم لغتهم، واعتاد على مدهم بالمال والسلاح ومن لبنان تحديداً، وهو بدأ فعلاً عمله لتفادي الأسوأ الذي قد لا يحتمله هو وجماعته في مناطق عديدة في لبنان لا سيما بيروت العاصمة ووسطها التجاري، الذي قد يكلفه أكثر من إرضاء هؤلاء لتسوية قضية 11 مخطوفاً لن يبدلوا الأمور الى الأفضل.
إن لم يكن الأمر كذلك، فإن عملية الاختطاف قد تفتح أفق المصطادين بالماء العكر مستغلة فرصة مناسبة لتعميم الفوضى في لبنان، خاصة بعد الاضطرابات التي شهدتها منطقة شمال لبنان في الأسبوعين الأخيرين، والتي ركزت على استهداف مؤسسات رئيسية في الدولة لا سيما مؤسساتها العسكرية والأمنية.
لا يتوهمَنّ أحد خاصة من الخاطفين أن بإمكانه الابتزاز في قضايا مصيرية بـ 11 مخطوفاً مظلوماً هم بالنسبة حتى لذويهم مشاريع شهداء عندما تبلغ الأمور ذروتها، بينما هم قادرون على خوض الحرب التي طالما خاضوها إذا ما فرضت عليهم.  

السابق
الخوف من الجيش..الخوف على الجيش
التالي
شفيق..هل يصبح رئيساً لمصر ؟