ماذا بعد أيار المأزوم؟

اذا كان لا بد من اعادة استجماع لمحطات أيار المشارف نهايته، فيمكن القول ان هذا الشهر وضع لبنان عند المسافة الاقرب من تلقي الضربة القاضية العابرة من الازمة السورية، لكنها زعزعته ولم تسقطه . بل لعله أقسى الاختبارات واشدها خطورة للدولة بكل مؤسساتها السياسية والامنية والقوى اللبنانية امام النفخ في النيران المذهبية المتوهجة وضعف التركيبة الجاهزة للاشتعال، ومع ذلك ثمة ما فاجأ الداخل والخارج بغرائب هذه التركيبة وتراقصها المخيف بين احتمالات التفجير وامكانات احتوائه .
بين الشمال وطريق الجديدة والضاحية فاض خوف كبير من العنف الجماعي والعنف الفردي، ومع ذلك لم تنتف إمكانات مفاجآت اخرى من مثل "عرس" عم البلاد واجتاحها لساعات على وقع خبر سار اخترق واقع العداء والخصومة وازال المتاريس النفسية و"الغيتوية" في السياسة والشارع . ومع ذلك قد يغدو من الخطورة الركون الى عفوية الانفعالات هذه التي ، على طابعها المحبب ورمزيتها الجميلة في بيئة انهكتها العداوات والخصومات والانقسامات العميقة ، لا تلبث أن تختفي حين تخرج كاميرات البث المباشر المتنافسة بنهم على تصيد الحدث العابر.

ما ارتسم من الشمال الى الضاحية الى بنت جبيل هو خط مأزوم للغاية في نهايته ، وهو خط وضع لبنان في مواجهة حقيقة العصف المذهبي الذي يحتاج الى شبكة امان استثنائية لئلا تأتي المحاولة التالية قاتلة، وهي آتية لا محال .
الابعد من فتنة طرابلس وحادث عكار وخطف الحجاج اللبنانيين في حلب، أن حرائق لبنانية تصاعدت فيما كانت سوريا تتدحرج نحو الحرب الاهلية، ولم تكن مجزرة الحولة المروعة سوى العنوان المتقدم لما يراد للحريق اللبناني أن يغطي بسحبه أبشع المجازر الانسانية هناك.

ولكن أقرب ما يمكن الركون اليه في شبكة امان لبنانية هو ان الانفعالات الفرحة او المحبطة ، وحتى المواقف السياسية للقوى المسماة وازنة، تبدو في مجملها متهيبة تهيبا تاما خطر السقوط في الفتنة والالتحاق بالجحيم السوري. هي أقرب المعادلات التي يعيشها لبنان بين مقاومة شديدة واضحة للمحظور وقابلية مفرطة خطيرة للوقوع في الفخ القاتل. لكأن البلاد تعيش على شفير شائعة يمكن ان تلهبها في لحظة، في حين ان النبض الحقيقي للبنانيين يقاوم هذه اللعنة ويرفضها . ومن يدري، لعلها تجربة "فحص دم" متقدمة صار ممكنا معها الخيار الحاسم بين نزع الفتائل بما يتجاوز المهرجانات المتلفزة خدمة للمصالح اللبنانية الصرفة او المضي نحو توأمة الفتنة خدمة للهول الدموي الذي يستبيح سوريا .   

السابق
مهرجان الأمسية الجنوبية في النبطية كرّم الحص
التالي
اليوم العالمي لمرض التصلب اللويحي