للعب بالنار

يقول المثل: "من يلعب بالنار، لا بد أن يحرق أصابعه". والواضح أن أصابع اللبنانيين جميعاً بدأت تحترق بنيران الأزمة السورية التي استمرأ بعض اللبنانيين اللعب بها، من دون حساب للتبعات المترتبة على ذلك.
في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها لبنان، راح معظم القيادات الرسمية والسياسية يضرب أخماساً بأسداس، محذراً ومنبهاً وواعظاً. تناسى البعض أن اللعب بالنار كان بأيدٍ لبنانية، وأن النصائح التي أسديت من البداية للنأي بالنفس عن هذه الأزمة الكبرى، كان الأحرى الأخذ بها، لا أن يترك مصير البلد في أيدي بعض الحالمين بأدوار قد تكون أكبر من قاماتهم وسط لعبة الكبار في المنطقة والعالم.

صحيح أن لبنان ليس جزيرة معزولة في هذه المنطقة، ولا يمكن تحييده، خاصة عما يحصل في سوريا، الا انه كان يمكن للعقل والمنطق ان يلعبا دوراً أفضل، لو كانت الرؤية السياسية في لبنان أكثر عمقاً وأقل تهوراً.
ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين كان نتيجة حتمية لأشهر طويلة من التهور السياسي والانفلات الأمني. كان أحرى باللبنانيين ان يستفيدوا من رياح التغيير العربية بالسعي الى تطوير نظامهم التعيس بدل التنطّح لإسقاط أنظمة الآخرين والادعاء أن الربيع العربي انطلق من أحضانهم. ولذلك كان من الطبيعي ان يتحول ربيع العرب الى خريف لبناني بامتياز.

لا يُخفى على أحد اليوم أن الواقع اللبناني بات ينذر بأخطار كبيرة، فما شهدته ساحتنا مؤخراً، أطاح بما تبقى من هيبة الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والقضائية، حتى بات من باب التندر القول إن على العسكريين من الآن وصاعداً ان يؤدوا التحية لكل مسلح او مطلوب او مشبوه يمر على حواجزهم أو قرب ثكناتهم ومقارهم.
برغم ذلك، تبقى الفرصة سانحة للإنقاذ. والمسؤولية السياسية أساسية في هذا المجال، حتى لا تغرق المؤسسات العسكرية والأمنية الضامنة للاستقرار في لعبة الدم، ويصير الشارع مرتعاً للسلاح والمسلحين والمحرضين واللصوص والمهربين وتجار الموت والمخدرات.

كل المطلوب في هذه المرحلة التوقف عن اللعب بالنار من خلال خطوات سريعة تقوم على:
اولاً: ان يبادر رئيس الجمهورية الى دعوة طاولة الحوار فوراً، لوضع جميع القوى امام مسؤولياتها التاريخية وفرملة الانزلاق "الوطني" نحو الهاوية.
ثانياً: تأمين غطاء سياسي شامل للجيش والقوى الأمنية لضبط الحدود اللبنانية السورية والضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه اللعب بمصير البلاد والعباد.
ثالثاً: مبادرة رئيسي الجمهورية والحكومة الى زيارة الدول الفاعلة لحثها على حجب العواصف العاتية عن لبنان.
رابعاً: تفعيل العمل الحكومي خلال مهلة معينة، وإلا تشكيل حكومة وفاقية تتولى هذه المهمة وتشرف على الانتخابات المقبلة.

قد يكون طرح هذه الخطوات الإنقاذية في هذه المرحلة نوعاً من الترف السياسي ومغالبة الواقع، لكن البديل عنها سيقود البلد الى حرب أهلية جديدة تحرق أصابع الجميع وأيديهم ووجوههم وما تبقى لديهم من آمال بعيش كريم. والله على ما نقول شهيد.
في المناسبة، هي الخامس والعشرون من أيار، الذكرى الثانية عشرة للتحرير. ولمن تتسع ذاكرتهم بعد لفلسطين ولهذا اليوم المجيد في تاريخ لبنان والأمة نقول: كل عام وأنتم بخير.  

السابق
بري:أعرف أسماء المخططين لاغتيالي
التالي
ادان نفسه